تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَٱلشَّمۡسُ تَجۡرِي لِمُسۡتَقَرّٖ لَّهَاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (38)

33

المفردات :

لمستقر لها : لحد معين من فلكها تنتهي إليه في آخر السنة ، والشمس حجمها يبلغ نحو مليون ضعف حجم أرضنا ، وهي تجري في الفضاء لا يسندها شيء ، سوى قدرة القدير سبحانه وتعالى .

التفسير :

38 { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَالِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } .

الشمس تتحرك حركة سريعة في مدارها الذي حدده السميع العليم ، وقدَّره العزيز الغالب ، الذي نظم وأبدع كل شيء ، فالقمر له مساره ، والشمس كذلك ، والأرض والأفلاك والشموس والأقمار ، كل شيء يَسْبح في الفضاء بنظام بديع متكامل ، تحرِّكه يد السميع العليم ، الذي أحسن كل شيء خلقه ، " ونلاحظ أن الشمس تدور حول نفسها ، وكان الظن أنها ثابتة في موضعها الذي تدور فيه حول نفسها ، ولكن عرف أخيرا أنها ليست مستقرة في مكانها ، إنما هي تجري ، تجري فعلا ، تجري في اتجاه واحد في الفضاء الكوني الهائل ، بسرعة حسبها الفلكيون باثني عشر ميلا في الثانية ، أي قرابة ( 43000 ) ثلاثة وأربعين ألف ميل في الساعة الواحدة ، والله ربها الخبير بها وبجريانها وبمصيرها يقول :

{ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا . . . }

وحين نتصور أن حجم هذه الشمس يبلغ نحو مليون ضعف حجم أرضنا هذه ، وأن هذه الكتلة الهائلة تتحرك وتجري في الفضاء ، لا يسندها شيء ، ندرك طرفا من صفة القدرة التي تصرّف هذا الوجود ، عن قوة وعن علم " 14 { ذَالِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلشَّمۡسُ تَجۡرِي لِمُسۡتَقَرّٖ لَّهَاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (38)

وكذلك نزيل هذه الظلمة ، التي عمتهم وشملتهم ، فتطلع الشمس ، فتضيء الأقطار ، وينتشر الخلق لمعاشهم ومصالحهم ، ولهذا قال : { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا } [ أي : دائما تجري لمستقر لها ] قدره اللّه لها ، لا تتعداه ، ولا تقصر عنه ، وليس لها تصرف في نفسها ، ولا استعصاء على قدرة اللّه تعالى . { ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ } الذي بعزته دبر هذه المخلوقات العظيمة ، بأكمل تدبير ، وأحسن نظام . { الْعَلِيمُ } الذي بعلمه ، جعلها مصالح لعباده ، ومنافع في دينهم ودنياهم .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱلشَّمۡسُ تَجۡرِي لِمُسۡتَقَرّٖ لَّهَاۚ ذَٰلِكَ تَقۡدِيرُ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡعَلِيمِ} (38)

ولما ذكر الوقتين ، ذكر آيتيهما فقال : { والشمس } أي التي سلخ النهار من الليل بغيبوبتها { تجري } ولما كان غيابها بالليل مثل سكون الإنسان في مبيته ، وجعلها على خط قدر لسيرها كل يوم بتقدير لا زيع فيه ومنهاج لا يعوج ، قال : { لمستقر } أي عظيم { لها } وهو السير الذي لا تعدوه جنوباً ولا شمالاً ذاهبة وآئبة ، وهي فيه مسرعة - بدليل التعبير باللام في موضع " إلى " ويدل على هذا قراءة " لا مستقر لها " بل هي جارية ابداً إلى انقراض الدنيا في موضع مكين محكم هو أهل للقرار ، وعبر به مع أنها لا تستقر ما دام هذا الكون لئلا يتوهم أن دوام حركتها لأجل أن موضع جريها لا يمكن الاستقرار عليه ، ولا ينافي هذا ما في صحيح البخاري وفي كتاب الإيمان من صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مستقرها تحت العرش ، وأنها تذهب فتستأذن في السجود فيؤذن لها وكأنها قد قيل لها : ارجعي من حيث جئت ، فتطلع من مغربها " - هذا لفظ مسلم ، وسيأتي لفظ البخاري ، ويمكن أن يكون المستقر آخر جريها عند إبادة هذا الوجود .

ولما كان هذا الجري على نظام لا يختل على مر السنين وتعاقب الأحقاب تكل الأوهام عن استخراجه ، وتتحير الأفهام في استنباطه ، عظمه بقوله : { ذلك } أي الأمر الباهر للعقول ؛ وزاد في عظمه بصيغة التفعيل في قوله : { تقدير } وأكد ذلك لافتاً القول عن مطلق مظهر العظمة إلى تخصيصه بصفتي العزة والعلم تعظيماً لهذه الآية تنبيهاً على أنها أكبر آيات السماء فقال : { العزيز } أي الذي لا يقدر أحد في شيء من أمره على نوع مغالبة ، وهو غالب على كل شيء { العليم * } أي المحيط علماً بكل شيء الذي يدبر الأمر ، فيطرد على نظام عجيب ونهج بديع لا يعتريه وهن ولا يلحقه يوماً نوع خلل إلى أن يريد سبحانه إبادة هذا الكون فتسكن حركاته وتفنى موجوداته ، روى البخاري عن أبي ذر رضي الله عنه قال : " كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال : يا أبا ذر ! أتدري أين تذهب ؟ قال : قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها ، فيقال لها : ارجعي من حيث جئت ، فذلك قوله تعالى : { والشمس تجري لمستقر لها } " .