تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَذَٰلِكُمۡ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمۡ أَرۡدَىٰكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (23)

19

المفردات :

أرداكم : أهلككم .

التفسير :

23-{ وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين } .

خدعكم هذا الظن الجاهل الأثيم ، فوقعتم في الردى والهلاك ، وقادكم هذا الظن إلى الخسران في الدنيا والجحيم في الآخرة .

فالله تعالى : { بكل شيء عليم } . وهو سبحانه مطلع على كل شيء ، ورقيب على كل شيء .

قال تعالى : { ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم } . ( المجادلة : 7 ) .

وقال عز شأنه على لسان لقمان : { يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير } . ( لقمان 16 ) .

وقد أخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كنت مستترا بأستار الكعبة فدخل ثلاثة نفر عليّ : ثقفيان وقرشي ، فقال أحدهم : أترون الله يسمع ما تقولون ؟ فقال الرجلان : إذا سمعنا أصواتنا سمع ، وإلاّ لم يسمع ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل : { وما كنتم تستترون . . . } إلى آخر الآيتين {[645]} .

قيل : والظن قسمان : ظن حسن بالله تعالى ، وظن فاسد ، أما الظن الحسن فهو أن يظن به سبحانه الرحمة والفضل ، قال صلى الله عليه وسلم حكاية عن الله عز وجل : " أنا عند ظنّ عبدي بي " {[646]}وقال صلى الله عليه وسلم : " لا يموتنّ إلا وهو يحسن الظنّ بالله تعالى " {[647]} .

والظن الفاسد هو أن يظن بالله أنه يعزُبُ ويغيب عن علمه بعض هذه الأحوال .


[645]:تفسير ابن كثير.
[646]:أنا عند ظن عبدي بي: رواه البخاري (7405، 7505) ومسلم (2675) والترمذي (2388، 3603) وابن ماجة (3822) وأحمد (10306، 10326، 10403، 10526، 27283،27395، 8833، 9087، 9457).
[647]:لا يموتن أحدكم: رواه مسلم في الجنة (2877) وابن ماجة في الزهد (4167) وأحمد في مسنده (13711) من حديث جابر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بثلاث يقول: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله الظن".
 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَذَٰلِكُمۡ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمۡ أَرۡدَىٰكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (23)

وهذا الظن ، صار سبب هلاكهم وشقائهم ولهذا قال : { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ } الظن السيئ ، حيث ظننتم به ، ما لا يليق بجلاله . { أَرْدَاكُمْ } أي : أهلككم { فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ } لأنفسهم وأهليهم وأديانهم بسبب الأعمال التي أوجبها لكم ظنكم القبيح بربكم ، فحقت عليكم كلمة العقاب والشقاء ، ووجب عليكم الخلود الدائم ، في العذاب ، الذي لا يفتر عنهم ساعة :

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَذَٰلِكُمۡ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمۡ أَرۡدَىٰكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (23)

قوله تعالى : " وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم " أي أهلككم فأوردكم النار . قال قتادة : الظن هنا بمعنى العلم . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله فإن قوما أساؤوا الظن بربهم فأهلكهم ) فذلك قوله : " وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم " . وقال الحسن البصري : إن قوما ألهتهم الأماني حتى خرجوا من الدنيا وما لهم حسنة ، ويقول أحدهم : إني أحسن الظن بربي وكذب ، ولو أحسن الظن لأحسن العمل ، وتلا قول الله تعالى : " وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين " . وقال قتادة : من استطاع منكم أن يموت وهو حسن الظن بربه فليفعل ، فإن الظن اثنان ظن ينجي وظن يردي . وقال عمر بن الخطاب في هذه الآية : هؤلاء قوم كانوا يدمنون المعاصى ولا يتوبون منها ويتكلمون على المغفرة ، حتى خرجوا من الدنيا مفاليس ، ثم قرأ : " وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين " .

 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{وَذَٰلِكُمۡ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمۡ أَرۡدَىٰكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (23)

{ أرداكم } أي : أهلككم من الردى بمعنى : الهلاك .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَذَٰلِكُمۡ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمۡ أَرۡدَىٰكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (23)

ولما كان ذكر المعصية وما جرأ عليها يقتضي انتقاصاً يقدح في الإلهية ، بين أنه الموجب للغضب فقال : { وذلكم } أي الأمر العظيم في القباحة ، ثم بينه بقوله : { ظنكم } أي الفاسد ، ووصفه بقوله : { الذي ظننتم بربكم } أي الذي طال إحسانه إليكم من أنه لا يعلم حالكم ، ثم أخبر عنه بقوله : { أردناكم } أي تسبب عنه خاصة أنه أهلككم . وأما معاصي الجوارح مع التوحيد والتنزيه فأمرها أسهل ، والحاصل أن كل ظن كان غير مأذون فيه من الشارع فهو يردي صاحبه .

ولما كان الصباح محل رجاء الأفراح ، فكان شر الأتراح ما كان فيه ، قال : { فأصبحتم } أي بسبب أن ما أعطيتموه من النعم لتستنقذوا به أنفسكم من الهلاك كان سبب هلاككم { من الخاسرين * } أي العريقين في الخسارة ، المحكوم بخسارتهم في جميع ذلك اليوم ، وصوره بأقبح صورة وهو الصباح ، فالمعنى أنه إذا صار حالكم حال من أصبح كذلك لم يكن للربح وقت يتدارك فيه بخلاف ما لو وجد ذلك عند المساء فإنه كان ينتظر الصباح للسعي في الربح ، ويوم القيامة لا يوم بعده يسعى فيه للربح ، فينبغي للمؤمن أن يكون حال خلوته أشد ما يكون هيبة لله .