الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَذَٰلِكُمۡ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمۡ أَرۡدَىٰكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (23)

ثم قال تعالى : { وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم } أي : وذلك الذي جنيتم في الدنيا على أنفسكم من معاصي الله هو من ظنكم الذي ظننتم أن الله لا يعلم ما تعملون ، أهلككم ذلكم{[60284]} الظن فأصبح في الآخرة من الذين خسروا أنفسهم .

وقرأ الحسن هذه الآية ثم قال : قال الله جل ذكره : عبدي ، أنا عند ظنه بي{[60285]} ، وأنا معه إذا دعاني{[60286]} .

ثم نظر الحسن فقال : إنما عمل الناس على قدر ظنونهم بربهم ، فأما المؤمن فأحسن بالله الظن وأحسن{[60287]} العمل ، ( وأما الكافر والمنافق فأساء الظن وأساء العمل{[60288]} ) .

وذكر معمر{[60289]} أنه بلغه أنه{[60290]} : ( يؤمر برجل إلى النار فيلتفت فيقول : يا رب ، ما كان هذا ظني بك{[60291]} . قال : ( وما كان ظنك{[60292]} ) قال : كان ظني بك أن تغفر لي ولا تعذبني قال : فإني عند ظن عبدي{[60293]} .

وقال قتادة : الظن ظننان : ظن مُرْدٍ ، وظن مُنْجٍ ، فأما الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم ، ومن قال : { إني ظننت أني{[60294]} ملاق حسابية{[60295]} } فهذا الظن المنجي – ظن ظنا يقينا – قال : وقال هاهنا : { وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم } فهذا ظن مرد{[60296]} .

وقوله عن قول الكافرين : { إن نظن إلا ظنا{[60297]} } مثله .

قال قتادة : وذكر لنا أن نبي الله عليه السلام كان يقول ويروي عن ربه عز وجل : " عبدي{[60298]} أنا عند ظنه بي وأنا معه إذا دعاني " {[60299]} .

فمعنى الآية : وهذا الظن الذي ظننتم بربكم أنه لا يعلم كثيرا مما تعملون هو الذي أهلككم لأنكم{[60300]} من أجل هذا الظن الخبيث تجرأتم على محارم الله سبحانه ، وركبتم ما نهاكم عنه فأهلككم ذلك وأصبحتم في القيامة من الذين خسروا أنفسهم فهلكوا .

وقد روى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من استطاع منكم ألا يموت إلا وهو يحسن{[60301]} الظن بالله فليفعل . ثم تلا{[60302]} : { وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم } الآية{[60303]} .

واستحب العلماء للرجل المؤمن أن يكون الخوف عليه في صحته أغلب من الرجاء ، فإذا مرض وحضرت وفاته استحبوا{[60304]} أن يكون الرجاء في عفو الله أغلب عليه من الخوف .


[60284]:(ت): ذلك.
[60285]:ساقط من (ت).
[60286]:أخرجه البخاري في كتاب التوحيد 97 باب 15 ح 7405 وباب 35 ح 7505 ومسلم في كتاب التوبة باب الحض على التوبة ح 1/ج 4/1202 وكتاب الذكر ح 1 ج4/2061 وح 19 منه ج 4/2067، والترمذي في كتاب الزهد باب حسن الظن بالله تعالى ج 9/233 وقال حديث حسن صحيح، وابن ماجة في كتاب الأدب 33 باب 58 فضل العمل ح 3822، وأحمد 2/251 و315 و391 و413 و445 و 482 و 516 و 517 و 524 و 2/318 كلهم عن أبي هريرة بمعناه.
[60287]:(ح): وأساء.
[60288]:ساقط من (ح). وانظر: جامع البيان 24/70، وتفسير ابن كثير 4/98.
[60289]:هو معمر بن راشد بن أبي عمرو الأزدي البصري الحراني أبو عروة، روى عن الأعمش وقتادة والزهري وغيرهم. خرج له الجماعة. توفي سنة 153 هـ. انظر: الجرح والتعديل 8/255 ت 1165، وتذكرة الحفاظ 1/190 ت 184، وميزان الاعتدال 4/154 ت 8582.
[60290]:ساقط من (ح).
[60291]:(ت): فيك.
[60292]:(ت): وما كان أظنك بي.
[60293]:انظر: تخريجه في الحديث قبله.
[60294]:فوق السطر في (ح).
[60295]:الحاقة: 19.
[60296]:انظر: جامع البيان 24/70، وقد ورد في المحرر الوجيز 14/177 مختصرا.
[60297]:الجاثية: 31.
[60298]:ساقط من (ت)، وفي طرة (ح).
[60299]:مضى تخريجه في الحديث ما قبل الأخير.
[60300]:(ح): لأنه.
[60301]:(ح): حسن.
[60302]:(ح): تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[60303]:أخرجه مسلم في كتاب الجنة باب 19: الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت ج 4/2205، وأبو داود في كتاب الجنائز 15 باب 17 حسن الظن بالله عند الموت، وابن ماجة كتاب الزهد 37 باب 14 التوكل واليقين ح 4157.
[60304]:(ت"): يستحبون.