السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَذَٰلِكُمۡ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمۡ أَرۡدَىٰكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (23)

وقوله تعالى : { وذلكم } إشارة إلى ظنهم هذا وهو مبتدأ وقوله تعالى : { ظنكم } بدل منه ، وقوله تعالى : { الذي ظننتم بربكم } نعت البدل والخبر { أرداكم } أي : أهلككم ، وفي هذا تنبيه على أن من حق المؤمن أن لا يذهب عنه ولا يزول عن ذهنه أن عليه من الله تعالى عيناً كالئة ورقيباً مهيمناً حتى يكون في أوقاته وخلواته من ربه أهيب وأحسن احتشاماً وأوفر تحفظاً وتصوراً منه مع الملأ ، ولا ينبسط في سره مراقبة من التشبه بهؤلاء الظانين .

ولما كان الصباح محل رجاء للإفراج فكان شر الإتراح ما كان فيه ، قال تعالى { فأصبحتم } أي : بسبب ما أعطيتموه من النعم لتستنقذوا أنفسكم به من الهلاك ، كان سبب هلاككم { من الخاسرين } أي : العريقين في الخسارة المحكوم بخسارتهم في جميع ذلك اليوم .

قال المحققون : الظن قسمان أحدهما : حسن ، والآخر : فاسد ، فالحسن ، أن يظن بالله تعالى الرحمة والفضل والإحسان قال صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى : «أنا عند ظن عبدي بي » . وقال صلى الله عليه وسلم : «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله » .

والظن الفاسد أن يظن أن الله تعالى يعزب عن علمه بعض هذه الأحوال . وقال قتادة : الظن نوعان : منجي ومردي ، فالمنجي : قوله : { إني ظننت أني ملاق حسابيه } ( الحاقة : 20 ) وقوله تعالى : { الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون } ( البقرة : 46 ) والمردي : هو قوله تعالى : { وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرادكم } .