اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَذَٰلِكُمۡ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمۡ أَرۡدَىٰكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم مِّنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ} (23)

قوله : «وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمْ » فيه أوجه :

أحدها : أن «ذلكم » رفع بالإبتداء و«ظنكم » خبره و«الَّذِي ظَنَنْتُمْ » نعته «وَأَرْداكُمْ » حال و«قد » معه مقدرة{[48735]} على رأي الجمهور خلافاً للأخفش{[48736]} ، ومنع مكي الحالية للخلو من «قد{[48737]} : وهو ممنوع لما تقدم .

والثاني : أن يكون «ظَنُّكُمْ » بدلاً ، والموصول خبره ، و «أَرْدَاكُمْ » حال أيضاً .

الثالث : أن يكون الموصول خبراً ثانياً .

الرابع : أن يكون «ظنكم » بدلاً أو بياناً ، والموصول هو الخبر ، و «أرْدَاكُمْ » خبر ثان{[48738]} .

الخامس : أن يكون ظنكم والموصول والجملة من «أرْداكم » أخباراً{[48739]} إلا أن أبا حيان ردَّ على الزمخشري قوله : «وَظَنُّكُمْ وَأَرْدَاكُمْ » خبران قال : لأن قوله «وَذلِكُمْ » إشارة إلى ظنهم السابق فيصير التقدير : وظنكم بربكم أنه لا يعلم ظنكم بربكم{[48740]} فاستفيد من الخبر ما استفيد من المبتدأ وهو لا يجوز وهذا نظير ما منعه النحاة من قولك : سَيِّد الجارية مالكها .

وقد منع ابن عطية كون «أَرْدَاكُمْ » حالاً ، لعدم وجود «قد{[48741]} » . وتقدَّم الخلاف في ذلك .

فصل

قال المفسرون : وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أي ظنكم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون أرادكم أهلككم . قال ابن عباس رضي الله عنهما : طرحكم في النار { فأصبحتم من الخاسرين }{[48742]} وهذا نص صريح في أن من ظن أنه يخرج شيء من المعلومات عن علم الله فإنه يكون من الهالكين الخاسرين{[48743]} .

قال المحققون : الظن قسمان :

أحدهما : حسن ، والآخر : فاسد . فالحسن أن يظن بالله عز وجل الرحمة والفضل والإحسان ، قال عليه الصلاة والسلام حكايةً عن الله عز وجل : «أنَا عِنْدَ ظَنِّّ عَبْدِي بي{[48744]} » وقال عليه الصلاة والسلام : «لاَ يمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إلاَّ وهُوَ حَسَنُ الظَّنِّ بالله{[48745]} » .

والظن القبيح أن يظن أنه تعالى أنه يعزب{[48746]} عن علمه بعض الأحوال . وقال قتادة : والظن نوعان : مُنْجِي{[48747]} ومُرْدِي فالمنجي قوله : { إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ } [ الحاقة : 2 ] وقوله : { الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ } [ البقرة : 46 ] والمردي هو قوله { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الذي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ } .


[48735]:ذكر هذا الإعراب أبو البقاء العكبري في التبيان 1125.
[48736]:مع الكوفيين فإنهم لن يشترطوا وجود "قد" مع الفعل الماضي الواقع حالا فحجتهم أن كل ما جاز أن يقع صفة للنكرة، نحو مررت برجل قاعد جاز أن يكون حالا من المعرفة مثل: مررت بالرجل قاعدا والفعل الماضي يقع وصفا للنكرة نحو: مررت برجل قعد فينبغي أن يقع حالا للمعرفة نحو: مررت بالرجل قعد. وقد ذكر هذه القضية ابن الأنباري في الإنصاف المسألة رقم 32 (252 و258) وانظر أيضا الهمع 1/247، ورأي الأخفش قد وافق عليه أبو حيان من المتأخرين قال في الهمع: قال أبو حيان: والصحيح جواز وقوع الماضي حالا بدون قد ولا يحتاج إلى تقدير.
[48737]:قال في المشكل 2/272 وقال الفراء "أرادكم" حال والماضي لا يحسن أن يكون حالا عند البصريين إلا على إضمار "قد".
[48738]:وهذه الأوجه الأربعة قال بها العكبري في التبيان 1125 وبتوضيح من الدر المصون للسمين 4/729 وانظر الكشاف 3/451 والبيان لابن الأنباري 2/339.
[48739]:متعددة لمبتدأ واحد وهو "وذلكم" قال بذلك السمين في الدر 4/729، والزمخشري في الكشاف 3/453.
[48740]:في البحر: قيصير التقدير وظنكم بأن ربكم لا يعلم ظنكم بربكم والمؤلف مشى في نقله عن أبي حيان من الدر المصون للشهاب السمين 4/729، وانظر البحر 7/493.
[48741]:المرجع السابق.
[48742]:معالم التنزيل للبغوي 6/109.
[48743]:نقله الرازي 27/117.
[48744]:نقله البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه البخاري 4/2788.
[48745]:لم أعثر عليه إلا في تفسير الإمام الرازي 27/117 فقد نقله بدون سند إلى راويه عنه صلى الله عليه وسلم.
[48746]:أي يغيب.
[48747]:كذا رسمها الناسخ في نسخ اللباب والأصح لغويا منج ومرد.