تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (39)

{ والذين كفروا وكذبوا بآياتنا ألئك أصحاب النار هم فيها خالدون }

المفردات :

والآيات : مفردها آية وهي العلامة الظاهرة ، والمراد بها كل ما يدل على وجود الخالق ووحدانيته مما في الكون ومما نشاهده في الأنفس .

أصحاب النار : ملازموها فكأنهم ملكوها فصاروا أصحابها .

الخلود : الدوام .

التفسير :

وهذه الآية معطوفة على ما قبلها . فمن اتبع الهدى فله الفوز والنجاة .

ومن كفر بآيات الله وكذب بالقرآن وجحد أدلة الربوبية والألوهية وعتا واستكبر فهم ملازم النار خالدا فيها جزاء كفره وعناده .

في ختام القصة :

توحي قصة آدم بما يأتي :

1- التحذير من المعصية ، فهي طريق الشر والغواية .

2- الدعوة إلى التوبة والهداية .

3- فضل الله الإنسان بالعلم فكلما زاد علمه كان جديرا بخلافة الأرض .

4- المسئولية فردية فمن أخطأ استحق العقاب ومن أطاع أستحق الثواب ومن تاب تاب الله عليه .

وفي القصة دعوة الإيمان بالغيب والتسليم ، وانحناء أمام قدرة الله ، والإيمان بالنصوص كما وردت ، وتفويض المراد منها إلى الله تعالى ، يقول الأستاذ سيد قطب :

فأين الذي كان ؟ وما الجنة التي عاش فيها آدم وزوجه حينا من الزمان ؟ ومن هم الملائكة ؟ ومن هو إبليس ؟ كيف الله تعالى ؟ وكيف أجابوه ؟ .

هذا وأمثاله في القرآن الكريم غيب من الغيب الذي استأثر الله تعالى بعلمه ، وعلم بحكمته أن لا جدوى للبشر في معرفة كنهه وطبيعته ، فلم يهب لهم القدرة على إدراكه والإحاطة به بالأداة التي وهبهم إياها لخلافة الأرض ، وليس من مستلزمات الخلافة أن نطلع على الغيب ( 97 ) .

إن أبرز إيحاءات قصة آدم هو أن الإنسان سيد في هذا الأرض ، ومن أجله خلق كل شيء فيها ، فهو إذن أعز وأكرم وأغلى من كل شيء مادي ، ومن كل قيمة مادية ، ولا يجوز إذن أن يستعبد أو يستذل لقاء توفير قيمة مادية ، فهذه الماديات كلها مخلوقة من أجله ، من أجل تحقيق إنسانيته . فالإنسان مخلوق ليكون خليفة الله في الأرض .

وقد رفع الإسلام من شأن الإرادة في الإنسان ، فهي مناط العهد مع الله ، وهي مناط التكليف والجزاء ، إنه يملك الارتفاع على مقام الملائكة ، بحفظ عهده مع ربه ، عن طريق تحكيم إرادته وعدم الخضوع لشهواته ، والاستعلاء على الغواية التي توجه إليه ( 98 ) . بينما يستطيع الإنسان أن يشقى الإنسان أن يشقى نفسه بتغليب الشهوة على الإرادة ونسيان عهده مع الله .

ذلك وحي قصة آدم خليفة الله في أرضه ( ومفرق الطريق في عهد آدم مع ربه ، إنه إما أن يسمع ويطيع لما يتلقاه من الله وإما أن يسمع لما يمليه عليه الشيطان وليس هناك طريق ثالت .

إما الهدى وإما الضلال ، إما الحق وإما الباطل ، إما الفلاح وإما الخسران ، وهذه الحقيقة هي التي يعبر عنها القرآن كله بوصفها الحقيقة الأولى التي تقوم عليها سائر التصورات . وسائر الأوضاع في عالم الإنسان ) ( 99 ) .