البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (39)

الآية : العلامة ، ويجمع آيا وآيات ، قال النابغة :

توهمت آيات لها فعرفتها *** لستة أعوام وذا العام سابع

ووزنها عند الخليل وسيبويه : فعلة ، فأعلت العين وسلمت اللام شذوذاً والقياس العكس .

وعند الكسائي : فاعلة ، حذفت العين لئلا يلزم فيه من الإدغام ما لزم في دابة ، فتثقل ، وعند الفراء : فعلة ، فأبدلت العين ألفاً استثقالاً للتضعيف ، كما أبدلت في قيراط وديوان ، وعند بعض الكوفيين : فعلة : استثقل التضعيف فقلبت الفاء الأولى ألفاً لانكسارها وتحرك ما قبلها ، وهذه مسألة ينهى الكلام عليها في علم التصريف .

الصحبة : الاقتران ، صحب يصحب ، والأصحاب : جمع صاحب ، وجمع فاعل : على أفعال شاذ ، والصحبة والصحابة : أسماء جموع ، وكذا صحب على الأصح خلافاً للأخفش ، وهي لمطلق الاقتران في زمان ما .

{ والذين كفروا } : قسيم لقوله : { فمن تبع هداي } ، وهو أبلغ من قوله : { ومن لم يتبع هداي } وإن كان التقسيم اللفظي يقتضيه ، لأن نفي الشيء يكون بوجوه ، منها : عدم القابلية بخلقة أو غفلة ، ومنها تعمد ترك الشيء ، فأبرز القسيم بقوله : { والذين كفروا } في صورة ثبوتية ليكون مزيلاً للاحتمال الذي يقتضيه النفي ، ولما كان الكفر قد يعني كفر النعمة وكفر المعصية بين : أن المراد هنا الشرك بقوله : { وكذبوا بآياتنا } ، وبآياتنا متعلق بقوله : { وكذبوا } ، وهو من إعمال الثاني ، إن قلنا : إن كفروا ، يطلبه من حيث المعنى ، وإن قلنا : لا يطلبه ، فلا يكون من الإعمال ، ويحتمل الوجهين .

والآيات هنا : الكتب المنزلة على جميع الأمم ، أو معجزات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وأو القرآن ، أو دلائل الله في مصنوعاته ، أقوال .

و { أولئك } : مبتدأ ، { وأصحاب } : خبر عنه ، والجملة خبر عن قوله : { والذين كفروا } ، وجوزوا أن يكون أولئك بدلاً وعطف بيان ، فيكون أصحاب النار ، إذ ذاك ، خبراً عن الذين كفروا .

وفي قوله : { أولئك أصحاب النار } دلالة على اختصاص من كفر وكذب بالنار .

فيفهم أن من اتبع الهدى هم أصحاب الجنة .

وكان التقسيم يقتضي أن من اتبع الهدى لا خوف ولا حزن يلحقه ، وهو صاحب الجنة ، ومن كذب يلحقه الخوف والحزن ، وهو صاحب النار .

فكأنه حذف من الجملة الأولى شيء أثبت نظيره في الجملة الثانية ، ومن الثانية شيء أثبت نظيره في الجملة الأولى ، فصار نظير قول الشاعر :

وإني لتعروني لذكرك فترة *** كما انتفض العصفور بلله القطر

وفي قوله : أولئك ، إشارة إلى الذوات المتصفة بالكفر والتكذيب ، وكأن فيها تكريراً وتوكيداً لذكر المبتدأ السابق .

والصحبة معناها : الاقتران بالشيء ، والغالب في العرف أن ينطلق على الملازمة ، وإن كان أصلها في اللغة : أن تنطلق على مطلق الاقتران .

والمراد بها هنا : الملازمة الدائمة ، ولذلك أكده بقوله : { هم فيها خالدون } .

ويحتمل أن تكون هذه الجملة حالية ، كما جاء في مكان آخر : { أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها } فيكون ، إذ ذاك ، لها موضع من الإعراب نصب .

ويحتمل أن تكون جملة مفسرة لما أنبهم في قوله : { أولئك أصحاب النار } ، ففسر وبين أن هذه الصحبة لا يراد بها مطلق الاقتران ، بل الخلود ، فلا يكون لها إذ ذاك موضع من الإعراب .

ويحتمل أن يكون خبراً ثانياً للمبتدأ الذي هو : أولئك ، فيكون قد أخبر عنه بخبرين : أحدهما مفرد ، والآخر جملة ، وذلك على مذهب من يرى ذلك ، فيكون في موضع رفع .

وقد تقدم الكلام على الخلود ، وهل هو المكث زماناً لا نهاية له ، أو زماناً له نهاية ؟