السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (39)

{ والذين كفروا } أي : جحدوا { وكذبوا بآياتنا } أي : كتبنا { أولئك أصحاب النار } يوم القيامة { هم فيها خالدون } ماكثون فيها أبداً لا يخرجون منها ولا يموتون فيها ، والآية في الأصل العلامة الظاهرة وتقال للمصنوعات من حيث إنها تدل على الصانع وعلمه وقدرته ولكل طائفة من كلمات القرآن المتميزة عن غيرها بفصل .

تنبيه : في هذه الآيات دلالة على أنّ الجنة مخلوقة وأنها في جهة عالية ، وأنّ التوبة مقبولة ، وأنّ متبع الهدى مأمون العاقبة ، وأن عذاب النار دائم ، وأن الكافر فيه مخلد ، وأن غيره لا يخلد فيه بمفهوم قوله تعالى : { هم فيها خالدون } ( المجادلة ، 17 ) واستدلّ بعض الخوارج كالحشوية وهم قوم جوّزوا الخطاب بما لا يفهم بها على عدم عصمة الأنبياء بوجوه : الأوّل : أنّ آدم عليه السلام كان نبياً وارتكب المنهي والمرتكب له عاص ، والثاني : أنه جعله بارتكابه من الظالمين ، والظالم ملعون لقوله تعالى : { ألا لعنة الله على الظالمين } ( هود ، 18 ) ، والثالث : أنه أسند إليه العصيان وألغي وقال : { وعصى آدم ربه فغوى } ( طه ، 121 ) ، والرابع : أنه تعالى لقنه التوبة وهي الرجوع عن الذنب والندم عليه ، والخامس : اعترافه بأنه خاسر لولا مغفرة الله له بقوله : { وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننّ من الخاسرين } ( الأعراف ، 23 ) والخاسر من يكون ذا كبيرة ، والسادس : أنه لو لم يذنب ما جرى عليه ما جرى . وأجيب عن ذلك بوجوه :

الأوّل : أنه لم يكن نبياً حينئذٍ والمدّعي مطالب بالدليل ولا دليل .

الثاني : أن النهي للتنزيه ، وإنما سمي ظالماً وخاسراً لأنه ظلم نفسه وخسر حظه بترك الأولى وإنما أجرى الله تعالى ما جرى معاتبة على ترك الأولى ووفاء بما قاله تعالى للملائكة قبل خلق آدم : { إني جاعل في الأرض خليفة } ( البقرة ، 30 ) ولا يكون خليفة في الأرض إلا بالإهباط إليها ، وأمر بالتوبة تلافياً لما فاته .

الثالث : أنه فعله ناسياً لقوله تعالى : { فنسي ولم نجد له عزماً } ( طه ، 115 ) ولكن عوقب بترك التحفظ عن أسباب النسيان إذ رفع الإثم بالنسيان من خصائص هذه الأمّة كما ثبت في الأخبار الصحيحة كخبر الشيخين : ( رفع عن أمّتي الخطأ والنسيان ) .

وروى الترمذيّ وصححه : ( أشدّ الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل ) رواه الحاكم بلفظ ( أشدّ الناس بلاءً الأنبياء ثم العلماء ثم الصالحون ) .

الرابع : أنه عليه الصلاة والسلام أقدم عليه بسبب اجتهاد أخطأ فيه فإنه ظنّ أن النهي للتنزيه أو الإشارة إلى عين تلك الشجرة فتناول من غيرها من نوعها ، وكان المراد بالإشارة الإشارة إلى النوع لا إلى شجرة معينة كما روى أبو داود وغيره ( أنه عليه الصلاة والسلام أخذ حريراً وذهباً بيده وقال : هذان حرام على ذكور أمّتي حلّ لإناثها ) .

فإن قيل : المجتهد إن أخطأ لا يؤاخذ . أجيب : بأنه إنما عوتب على ذلك تعظيماً لشأن الخطيئة ليجتنبها أولاده . وقرأ ورش بإمالة ألف النار بين بين ، وقرأ أبو عمرو والدوري عن الكسائي بالامالة المحضة ، والباقون بالفتح .