اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (39)

لما وعد الله من اتبع الهدى بالأَمْنِ من العَذَاب والحزن عقبه بذكر من أعدّ له العَذَاب مثال الذين كفروا . و " الذين " مبتدأ وما بعدها صلة وعائد ، و " بآياتنا " متعلّق ب " كذبوا " ، ويجوز أن تكون أن تكون الآية من باب الإعمال ؛ لأن " كفروا " يطلبها ، ويكون من إعمال الثَّاني للحذف من الأوّل ، والتَّقدير : والذين كفروا بنا وكَذّبوا بآياتنا .

و " أولئك " مبتدأ ثان ، و " أصحاب " خبره ، والجملة خبر الأول ، ويجوز أن يكون " أولئك " بدلاً من الموصول ، أو عطف بيان له ، و " أصحاب " خبر المبتدأ الموصول . وقوله : { هم فيها خالدون } جملة اسمية في محلّ نصب على الحال للتَّصريح بذلك في مواضع قال تعالى : { أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدينَ } .

وأجاز " أبو البقاء " : أن تكون حالاً من " النار " قال : لأن فيها ضميراً يعود عليها ، ويكون العامل فيها معنى الإضافة ، أو اللاَّم المقدرة .

وقد عرف ما في ذلك ، ويجوز أن تكون في محل رفع خبر ل " أولئك " أيضاً ، فيكون قد أخبر عنه بخبرين :

أحدهما : مفرد وهو " أصحاب " .

والثاني : جملة ، وقد عرف ما فيه من الخلاف .

و " فيها " متعلّق ب " خالدون " قالوا : وقد حذف من الكلام الأوّل ما أثبت في الثاني ، ومن الثاني ما أثبت في الأول ، والتقدير : فمن تبع هُدَاي فلا خوف ولا حُزْن يلحقه ، وهو صاحب الجَنَّة ، ومن كفر وكذب لحقه الخَوْفُ والحزن ، وهو صاحب النار ؛ لأنّ التقسيم يقتضي ذلك ، ونظروه بقول الشَّاعر : [ الطويل ]

وَإِنِّي لتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ هِزَّةٌ *** كَمَا انْتَفَضَ العُصْفُورُ بَلَّلَهُ القَطْرُ{[1231]}

" والآية " لغة : العلامة ؛ قال النابغَةُ : [ الطويل ]

تَوَهَّمْتُ آيَاتٍ لَهَا فَعَرَفْتُهَا *** لِسِتَّةِ أَعْوَامٍ وَذَا العَامُ سَابِعُ{[1232]}

وسميت آية القرآن [ آية ]{[1233]} ؛ لأنه علامة لانفصال ما قبلها عما بعدها ، وقيل : سُمِّيَتْ بذلك ؛ لأنها تجمع حروفاً من القرآن ، فيكون من قولهم ، " خَرَجَ بنُو فلاَنٍ بآيتِهِمْ " أي : بجماعتهم ؛ قال : [ الطويل ]

خَرَجْنَا مِنَ النَّقْبَيْنِ لاَ حَيَّ مِثْلُنَا *** بِآيَاتِنَا نُزْجِي اللِّقَاحَ المَطَافِلاَ{[1234]}

واختلف النحويون في وزنها : فمذهب " سيبويه والخليل " أنها " فَعَلَة " والأصل : " أَيَيَة " - بفتح العين - تحركت الياء وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً ، وهذا شاذّ ؛ لأنه إذا اجتمع حرفا عِلّة أعلّ الأخير ؛ لأنه محلّ التغيير نحو : هوى وحوى ، ومثلها في الشّذوذ : " غَايَة ، وطَايَة ، وَرَايَة " .

ومذهب " الكِسَائِيّ " أن أصلها : " آيِيَة " على وزن " فَاعِلَة " ، فكان القياس أن يدغم فيقال : آية ك " دابّة " ، إلاَّ أنه ترك ذلك تخفيفاً ، فحذفوا عينها ، كما خففوا " كَيْنُونة " والأصل : " كيّنونة " بتشديد الياء ، وضعفوا هذا بأن " كيّنونة " أثقل فَنَاسب التَّخفيف بخلاف هذه .

ومذهب " الفَرَّاء " أنها " فَعْلَة " بسكون العين ، واختاره " أبو البَقَاء " قال : لأنها من تأيَّا القوم ، إذا اجتمعوا ، وقالوا في الجمع : آياء ، فظهرت الياء الأولى ، والهمزة الأخيرة بدل من ياء ، ووزنه " أفعال " والألف الثانية بدل من همزة هي فاء الكلمة ، ولو كانت عينها " واو " لقالوا في الجمع : " آواء " ثم إنهم قلبوا " الياء " الساكنة " ألفاً " على غير قياس .

يعني : أن حرف العلّة لا يقلب حتى يتحرّك وينفتح ما قبله .

وذهب بعض الكوفيين إلى أن وزنها " آيِيَة " بكسر العَيْنِ مثل " نَبِقَة " فَأُعِلّ ، وهو في الشُّذوذ كمذهب " سيبويه والخَليل " .

وقيل : وزنها " فَعُلة " بضم العَيْن ، وقيل : أصلها " أَيَاة " بإعلال الثاني ، فقلبت : بأن قدمت الازم ، وأخرت العين ، وهو ضعيف . فهذه ستة مذاهب لا يسلم واحد منها من شذوذ .

فصل في معنى " الصحبة "

الصّحبة : الاقتران بالشيء في حالة ما ، في زمان ما ، فإن كانت الملازمة والخُلْطة فهي كمال الصُّحبة .


[1231]:- البيت لأبي صخر الهذلي ينظر في الأغاني: 5/69، 170، خزانة الأدب: 3/254، 255، 257، 260، الإنصاف: 1/336، الدرر: 3/79، شرح أشعار الهذليين: 2/957، شرح التصريح: 1/336، لسان العرب (رمث)، والمقاصد النحوية: 2/646، 648، أوضح المسالك: 2/227، شرح الأشموني: 1/216، شرح شذور الذهب: ص298، شرح ابن عقيل: ص 361، شرح قطر الندى: ص 228، شرح المفصل: 2/67، المقرب: 1/62، همع الهوامع: 1/194، الدر المصون: 1/201.
[1232]:- ينظر ديوانه: ص 31، وخزانة الأدب: 2/453، وشرح أبيات سيبويه: 1/447، والصاحبي في فقه اللغة: ص 113، والكتاب: 2/86، ولسان العرب (عشر)، والمقاصد النحوية: 3/406، 4/482، أوضح المسالك: 4/261، وشرح التصريح: 2/276، وشرح شواهد الشافية: ص 108، والمقتضب: 4/322، والمقرب: 1/147، الدر المصون: 1/201.
[1233]:- سقط في أ.
[1234]:- البيت لبرج بن مسهر الطائي، ينظر القرطبي: 1/48، والدر المصون: 1/201.