تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{أَيۡنَمَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِي بُرُوجٖ مُّشَيَّدَةٖۗ وَإِن تُصِبۡهُمۡ حَسَنَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٞ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِكَۚ قُلۡ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ فَمَالِ هَـٰٓؤُلَآءِ ٱلۡقَوۡمِ لَا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ حَدِيثٗا} (78)

المفردات :

بروج مشيدة : حصون مرتفعة منيعة محكمة .

يفقهون : يفهمون فهما دقيقا .

التفسير :

78- أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ . . . هذه الآية تقرر قاعدة عامة ، وإن كان المراد بها المنافقين ، أو ضعفة المؤمنين ، الذين قالوا : لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ . أي : إلى أن نموت بآجالنا {[21]} .

والمعنى : في أي مكان تكونون فيه- في ساحة القتال ، أو بين أهليكم مواطن أمنكم ، أو خوفكم ، سينزل بكم الموت عند انتهاء آجالكم ، ولو كنتم في حصون منيعة و قصور عالية .

جاء في تفسير القرطبي :

قال ابن عباس : البروج : الحصون والآطام والقلاع ، ومعنى مشيدة : مطولة أو محصنة بالشد وهو الجص ، والمشيد والمشيد سواء ، ومنه : قصر مشيد . ( الحج : 45 ) ، وفي هذه الآية تأنيب للجبناء أو المنافقين ، الذين ضاقوا بما فرض الله عليهم من القتال ، وإبراز لحماقة تفكيرهم ، فإن الجبن لا يطيل عمرا وإنما يجلب ذلا ، والشجاعة لا تنقص أجلا وإنما تورث عزا .

وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ .

هذا بيان لنقيصة أخرى من نقائصهم ، فهم يتطيرون بالنبي- فيظنونه- حاشاه- شؤما عليهم أو هم يريدون عامدين تجريح قيادة الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ تخلصا من التكاليف التي يأمرهم بها .

فقد كانوا يقولون : إذا حلت بهم نعمة ، من سعة في الرزق ، وكثرة في الأموال والأولاد ، هذا الذي أصابنا من النعم من عند الله ، قالوا ذلك ، لا عن إيمان بالله ، واعتراف بفضله ، بل قالوه ؛ تهوينا لشأن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإشارة إلا أنه لا يأتيهم بخير ، يدل على ذلك ما حكاه القرآن عنهم بقوله :

وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ . أي : وإن يصبهم جدب وقحط ونقص في الأموال والأولاد ونحو ذلك ؛ قالوا : أصابنا ذلك بشؤمك الذي لحقنا . . .

قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ . إن الله هو الفاعل الأول ، والفاعل الأوحد ، لكل ما يقع في الكون وما يقع للناس ، فهو وحده الذي يملك النفع والضر ولا يقع في ملكه إلا ما يريد .

فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا . فما شأن هؤلاء القوم ؟ وماذا أصاب عقولهم ، حتى أصبحوا بعيدين عن الفهم والإدراك لما يسمعون ولما يقولون ، ولا يفهمون أن كلا من الخير والشر من عند الله وحده ، وأن الله هو الباسط القابض وكل ذلك صادر عن حكمه وصواب .


[21]:انظر تفسير القرطبي 5/282.