تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَإِذَا كُنتَ فِيهِمۡ فَأَقَمۡتَ لَهُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَلۡتَقُمۡ طَآئِفَةٞ مِّنۡهُم مَّعَكَ وَلۡيَأۡخُذُوٓاْ أَسۡلِحَتَهُمۡۖ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلۡيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمۡ وَلۡتَأۡتِ طَآئِفَةٌ أُخۡرَىٰ لَمۡ يُصَلُّواْ فَلۡيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلۡيَأۡخُذُواْ حِذۡرَهُمۡ وَأَسۡلِحَتَهُمۡۗ وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ تَغۡفُلُونَ عَنۡ أَسۡلِحَتِكُمۡ وَأَمۡتِعَتِكُمۡ فَيَمِيلُونَ عَلَيۡكُم مَّيۡلَةٗ وَٰحِدَةٗۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ إِن كَانَ بِكُمۡ أَذٗى مِّن مَّطَرٍ أَوۡ كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَن تَضَعُوٓاْ أَسۡلِحَتَكُمۡۖ وَخُذُواْ حِذۡرَكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا} (102)

المفردات :

طائفة : جماعة

وليأخذوا حذرهم : وليكونوا متيقظين للعدو ، محترسين منه

فيميلون عليكم : فيهجمون عليكم .

ميلة واحدة : هجمة واحدة يقضون بها عليكم ، فلا يحتاجون بعدها إلى هجمة أخرى .

التفسير :

102-وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ . . . الآية

لما بين الله حكم القصر في السفر عند الخوف عقبه ببيان كيفية صلاة الخوف .

سبب النزول :

روى الدارقطني ، عن أبي عياش الزرقى ، قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان ، فاستقبلنا المشركون عليهم خالد بن الوليد ، وهم بيننا وبين القبلة ، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر . فقالوا : لقد كانوا على حال لو أصبنا غرتهم ، ثم قالوا : يأتي عليهم صلاة هي أحب إليهم من أبنائهم وأنفسهم ، قال : فنزل جبريل عليه السلام- بهذ ه الآية بين الظهر والعصر : وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ {[83]} .

ومعنى : وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ : إذا أردت أن تصلي بهم إماما ، فلتصل طائفة منهم معك ، بعد أن يجعلهم طائفتين ، ولتقف الطائفة الأخرى تجاه العدو ؛ لمراقبته ، وحراسة المسلمين منه . وليأخذوا أسلحتهم : أي : ولتأخذ الطائفة التي تصلي معك أسلحتهم ؛ ليتقوا بها العدو عند المفاجأة . فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ . أي : فإذا فرغت الطائفة التي تصلي معك من سجود الركعة الأولى ؛ فلينصرفوا للحراسة خلفكم . لْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ : أي : ولتأت الطائفة الأخرى التي كانت في مواجهة العدو للحراسة والمراقبة ، والتي لم تصل بعد ، فليصلوا معك الركعة الثانية ، وهي الأولى لهم .

وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ : أي : يجب أن يكونوا دائما متيقظين لمخادعات العدو ، وليأخذوا أسلحتهم معهم ؛ ليتقوه بها إن بادءوهم ؛ لأن الأعداء يتمنون أن ينالوا منكم غرة في صلاتكم ، فيحملوا عليكم حملة واحدة : منتهزين فرصة انشغالكم بالصلاة . كما قال تعالى : وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً : والأمتعة : ما يتمتع به المحارب من لوازمه في السفر .

والأمر هنا : للوجوب ؛ لقوله تعالى بعده :

وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ : أي : ولا إثم عليكم في أن تتركوا أسلحتكم عندما يكون بكم تأذ من المطر أو المرض . وهذه الرخصة لا تعطى إلا في حال العذر الذي بينه الله في الآية في قوله تعالى : وَخُذُواْ حِذْرَكُم . أي كونوا على حذر دائم ، وبخاصة في تلك الحالة التي وضعتم فيها أسلحتهم .

إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا : يهينهم ويخزيهم ويذلهم ، يتحقق بعضه على أيديكم بالنصر عليهم ؛ إذا اتبعتم النصيحة ، ونهضتم بالتكاليف ، و كنتم دائما على صلة بالله ، وفي موقف اليقظة والاستعداد بما تستطيعون من قوة ، ويتحقق بعضه الآخر بالعذاب الذي يلاقونه يوم القيامة من الله بسبب كفرهم ومحاربتهم أولياءه . فاهتموا بأموركم ولا تهملوا مباشرة الأسباب .

هذا نموذج من نماذج تأدية الصلاة في الميدان حين التربص والتهيؤ .

وقد دلت الآية على أهمية الصلاة وضرورتها ، وما للجماعة فيها من ميزة ومنزلة ، حتى في أشد حالات الخوف .

فالصلاة هي المدد الروحي الحافز للعزائم على النصر ؛ إذ هي صلة بالله رب العالمين ، القادر على كل شيء ، وهو مالك الأسباب جميعا للنصر وغيره . وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ . ( آل عمران : 126 )

فعلى المسلمين أن يحرصوا على أداء الصلوات ، استدرارا لعون الله . وفي الحروب الحديثة عليهم تأدية الصلاة بالكيفية التي تناسب وضعهم من العدو ، بحيث لا يعرض أمنهم للخطر .

وقد بين الشرع طريقتها في كل حال .

ومنها : أنه إذا التحم الجيشان ، فللجندي أن يصلي مستقبل القبلة أو غير مستقبلها ، وعلى أية كيفية ممكنة ولو بالإيماء .

وفي ذلك يقول الله تعالى : فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا . ( البقرة : 239 )


[83]:رواه أحمد، وأصحاب السنن، واللفظ لأحمد.