تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱلَّذِيٓ ءَاتَيۡنَٰهُ ءَايَٰتِنَا فَٱنسَلَخَ مِنۡهَا فَأَتۡبَعَهُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَكَانَ مِنَ ٱلۡغَاوِينَ} (175)

{ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آياتنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَان فَكان مِنَ الْغَاوِينَ ( 175 ) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بآياتنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ( 176 ) سَاء مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بآياتنَا وَأنفُسَهُمْ كانوا يَظْلِمُونَ ( 177 ) } :

المفردات :

واتل عليهم : واقرأ عليهم .

نبأ : خبر .

فانسلخ منها : فخرج منها وتركها .

فأتبعه الشيطان : أدركه وتمكن من الوسوسة له .

الغاوين : المبعدين في الضلال .

التفسير :

{ 175وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آياتنَا . . . } الآية .

أي : واتل على اليهود ذلك النبأ العجيب ، نبأ ذلك الذي آتيناه حجج التوحيد ، وأفهمناه أدلته حتى صار عالما بها ، فانسلخ منها وتركها وراء ظهره ، ولم يلتفت إليها ليهتدي بها .

{ فانسلخ منها } .

أي : انخلع منها بالكلية ، بأن كفر بها ونبذها وراءه ظهريا ، ولم ينتفع بما اشتملت عليه من عظات وإرشادات .

وفي التعبير بالانسلاخ إيماء إلى أنه كان متمكنا منها ظاهرا لا باطنا ، كالحية حين تنسلخ عن جلدها وتتركه وتمضي .

{ فأتبعه الشيطان } .

أي : لحقه فأدركه وصار قرينا له يوسوس له بالشر ، أو صار هذا العالم الضال إماما للشيطان حتى إن الشيطان يتبع خطواته ، وهي مبالغة تبين مدى الضلال والشر والعتوّ ، على حد قول الشاعر :

وكان فتى من جند إبليس فارتقى *** به الحال حتى صار إبليس من جنده

فكان من الغاوين : أي : فصار من الضالين المفسدين .

والخلاصة : أنه أوتى الهدى فانسلخ منه إلى الضلال ، ومال إلى الدنيا فتلاعب به الشيطان ، وكانت عاقبته البوار ، والخذلان ، وخاب في الآخرة والأولى .

جاء في تفسير المنار للسيد رشيد رضا :

هذا مثل ضربه الله تعالى ، للمكذبين بآيات الله ، المنزلة على رسوله محمد – صلى الله عليه وسلم – وهو مثل من آتاه الله آياته فكان عالما بها ، حافظا لقواعدها وأحكامها ، قادرا على بيانها والجدل بها ، ولكنه لم يؤت العمل مع العلم ، بل كان عمله مخالفا تمام المخالفة لعلمه ، فسلب هذه الآيات ؛ لأن العلم الذي لا يعمل به لا يلبث أن يزول ، فأشبه الحية التي تنسلخ من جلدها ، وتخرج منه وتتركه على الأرض ، على حد قول الشاعر :

خلقوا ، وما خلقوا لمكرمة *** فكأنهم خلقوا وما خلقوا

رزقوا ، وما رزقوا سماح يد *** فكأنهم رزقوا وما رزقوا