هو في اللوح المحفوظ الذي في السماء ، محفوظ من الزيادة والنقصان ، والتحريف والتبديل ، ونحن نؤمن بأن القرآن كلام الله ، أودعه الله في اللوح المحفوظ .
وقد حفظ الله كتابه على مر القرون ، وتكفّل الله بحفظه ، وبأن يظل دائما أصل أصول الدين ، وأساس الإسلام وكلّي الشريعة .
( فيه نبأ من قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، وهو الجدّ ليس بالهزل ، من تركه من جبّار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، لم تسمعه الجن حتى قالت : إنا سمعنا قرآنا عجبا ، يهدي إلى الرشد فآمنا به ، ولن نشرك بربنا أحدا ) .
إن هذا القرآن المجيد عند الله في لوح محفوظ ، ينزل منه ما يشاء على من يشاء من خلقه .
آمنا بالله وحده لا شريك له ، وبأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ، وبأن القرآن كلام الله تعالى ، منزه عن النظير والمثيل ، محفوظ من التغيير والتبديل .
كما قال سبحانه وتعالى : إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون . ( الحجر : 9 ) .
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم .
من كتاب التفسير المنير للدكتور وهبة الزحيلي
أخرج الإمام أحمد ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العشاء الآخرة ب : والسماء ذات البروج ، والسماء والطارق . iii .
وأخرج أحمد ، عن أبي هريرة أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يقرأ بالسماوات في العشاء . iv .
المقصود من هذه السورة تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن إيذاء الكفار ، ببيان أن سائر الأمم السابقة كانوا كأهل مكة ، مثل أصحاب الأخدود في نجران اليمن ، ومثل فرعون وثمود .
وكان كل الكفار سواء في التكذيب ، فانتقم الله منهم ، لأنهم جميعا في قبضة القدرة الإلهية : والله من ورائهم محيط . وهذا شيء مثبت في اللوح المحفوظ ممتنع التغيير ، لقوله تعالى : بل هو قرآن مجيد* في لوح محفوظ .
وسبب نزول هذه السورة التي تدور على قصة أصحاب الأخدود ما رواه مسلم في صحيحه ، وأحمد ، والنسائي ، وموجزها : أن أحد ملوك الكفر وهو ذو نواس اليهودي واسمه زرعة بن تبّان أسعد الحميري ، بلغه أن بعض رعيته آمن بدين النصرانيةv ، فسار إليهم بجنود من حمير ، فلما أخذوهم خيّروهم بين اليهودية والإحراق بالنار ، فاختاروا القتل ، فشقوا لهم الأخدود ، وأضرموا فيه النار ، ثم قالوا للمؤمنين : من رجع منكم عن دينه تركناه ، ومن لم يرجع ألقيناه في النار ، فصبروا ، فألقوهم في النار ، فاحترقوا ، والملك وأصحابه ينظرون .
قيل : قتل منهم عشرين ألفا ، وقيل : اثني عشر ألفا .
وقال الكلبي : كان أصحاب الأخدود سبعين ألفا .
والخلاصة : أن ذا نواس آخر ملوك حمير -وكان مشركا- قتل أصحاب الأخدود الذين كانوا نصارى ، وكانوا قريبا من عشرين ألفاvi .
تفصيل القصة –قصة الساحر والراهب والغلام :
المعتمد من قصص أصحاب الأخدود ما جاء في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنه كان لبعض الملوك ساحر ، فلما كبر ضمّ إليه غلاما ليعلّمه السحر ، وكان في طريق الغلام راهب يتكلم بالمواعظ لأجل الناس ، فمال قلب الغلام إلى حديثه ، فرأى في طريقه ذات يوم دابة أو حية قد حبست الناس ، فأخذ حجرا فقال : اللهم إن كان الراهب أحب إليك من الساحر فاقتلها بهذا الحجر ، فقتلها .
وكان ذلك الغلام بعدئذ يتعلم من الراهب إلى أن صار بحيث يبرئ الأكمه والأبرص ، ويشفي من الداء .
وعمي جليس للملك فأبرأه ، فأبصره الملك فسأله : من رد عليك بصرك ؟ فقال : رب ، فغضب ، فعذّبه ، فدل على الغلام ، فعذّب الغلام حتى دل على الراهب ، فلم يرجع الراهب عن دينه ، فقدّ بالمنشار ، وأتى الغلام ، فذهب به إلى جبل ليطرح من ذروته ، فدعا فرجف بالقوم فطاحوا ونجا ، فذهبوا به إلى قرقور ( سفينة صغيرة ) ، فلججوا ليغرقوه ، فدعا ، فانكفأت بهم السفينة ، فغرقوا ونجا ، وقال الملك : لست بقاتلي حتى تجمع الناس في صعيد ، وتصلبني على جذع ، وتأخذ سهما من كنانتي وتقول : بسم الله رب الغلام ، ثم ترميني به .
فرماه فوقع في صدغه ، فوضع يده عليه ومات ، فقال الناس : آمنا برب الغلام ، فقيل للملك : نزل بك ما كنت تحذر ، فأمر بأخاديد في أفواه السّكك وأوقدت فيها النيران ، فمن لم يرجع منها طرحه فيها ، حتى جاءت امرأة معها صبي ، فتقاعست أن تقع فيها ، فقال الصبي : يا أماه ، اصبري فإنك على الحق ، وما هي إلا غميضة ، فصبرت واقتحمت ) . vii .
i جاء في تفسير البحر المحيط ما يأتي :
وإنما ذكر الأوصاف التي يستحق بها تعالى أن يؤمن به ، وهي كونه ( عزيزا ) أي : غالبا قادرا يخشى عقابه . ( حميدا ) أي : منعما يجب له الحمد على نعمه { له ملك السماوات والأرض } أي : وكل من فيهما يحق عليه عبادته والخشوع له ، وإنما ذكر ذلك تقريرا ، لأن ما نقموه منهم هو الحق ، ولا ينقمه إلا مبطل منهمك في الغيّ والضلال .
ii في ظلال القرآن ، الأستاذ سيد قطب ، دار المشرق المجلد 6 ص 3874 .
رواه أحمد في مسنده ( 8132 ) من حديث أبي هريرة بلفظ : يقرأ في العشاء الآخرة بالسماء ، يعني : ذات البروج ، والسماء والطارق .
iv أمر أن يقرأ بالسماوات في العشاء :
رواه أحمد في مسنده ( 8133 ) من حديث أبي هريرة بلفظ : أمر أن يقرأ بالسماوات في العشاء .
v وقال الضحاك : هم قوم من النصارى كانوا باليمن قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعين سنة ، أخذهم يوسف بن شراحيل ابن تبّع الحميري ، وكانوا نيفا وثمانين رجلا ، وحفر لهم أخدودا وأحرقهم فيه .
vii التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج ، الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي دار الفكر المعاصر بيروت لبنان ، الجزء 30/152 -154 .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.