تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{فِي لَوۡحٖ مَّحۡفُوظِۭ} (22)

22- في لوح محفوظ .

هو في اللوح المحفوظ الذي في السماء ، محفوظ من الزيادة والنقصان ، والتحريف والتبديل ، ونحن نؤمن بأن القرآن كلام الله ، أودعه الله في اللوح المحفوظ .

وقد حفظ الله كتابه على مر القرون ، وتكفّل الله بحفظه ، وبأن يظل دائما أصل أصول الدين ، وأساس الإسلام وكلّي الشريعة .

( فيه نبأ من قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، وهو الجدّ ليس بالهزل ، من تركه من جبّار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، لم تسمعه الجن حتى قالت : إنا سمعنا قرآنا عجبا ، يهدي إلى الرشد فآمنا به ، ولن نشرك بربنا أحدا ) .

وقال الحسن البصري :

إن هذا القرآن المجيد عند الله في لوح محفوظ ، ينزل منه ما يشاء على من يشاء من خلقه .

آمنا بالله وحده لا شريك له ، وبأن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ، وبأن القرآن كلام الله تعالى ، منزه عن النظير والمثيل ، محفوظ من التغيير والتبديل .

كما قال سبحانه وتعالى : إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون . ( الحجر : 9 ) .

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم .

ختام السورة:

ملحق بتفسير سورة البروج

من كتاب التفسير المنير للدكتور وهبة الزحيلي

فضل سورة البروج

أخرج الإمام أحمد ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العشاء الآخرة ب : والسماء ذات البروج ، والسماء والطارق . iii .

وأخرج أحمد ، عن أبي هريرة أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يقرأ بالسماوات في العشاء . iv .

سبب نزولها والحكمة منها :

المقصود من هذه السورة تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن إيذاء الكفار ، ببيان أن سائر الأمم السابقة كانوا كأهل مكة ، مثل أصحاب الأخدود في نجران اليمن ، ومثل فرعون وثمود .

وكان كل الكفار سواء في التكذيب ، فانتقم الله منهم ، لأنهم جميعا في قبضة القدرة الإلهية : والله من ورائهم محيط . وهذا شيء مثبت في اللوح المحفوظ ممتنع التغيير ، لقوله تعالى : بل هو قرآن مجيد* في لوح محفوظ .

وسبب نزول هذه السورة التي تدور على قصة أصحاب الأخدود ما رواه مسلم في صحيحه ، وأحمد ، والنسائي ، وموجزها : أن أحد ملوك الكفر وهو ذو نواس اليهودي واسمه زرعة بن تبّان أسعد الحميري ، بلغه أن بعض رعيته آمن بدين النصرانيةv ، فسار إليهم بجنود من حمير ، فلما أخذوهم خيّروهم بين اليهودية والإحراق بالنار ، فاختاروا القتل ، فشقوا لهم الأخدود ، وأضرموا فيه النار ، ثم قالوا للمؤمنين : من رجع منكم عن دينه تركناه ، ومن لم يرجع ألقيناه في النار ، فصبروا ، فألقوهم في النار ، فاحترقوا ، والملك وأصحابه ينظرون .

قيل : قتل منهم عشرين ألفا ، وقيل : اثني عشر ألفا .

وقال الكلبي : كان أصحاب الأخدود سبعين ألفا .

والخلاصة : أن ذا نواس آخر ملوك حمير -وكان مشركا- قتل أصحاب الأخدود الذين كانوا نصارى ، وكانوا قريبا من عشرين ألفاvi .

تفصيل القصة –قصة الساحر والراهب والغلام :

المعتمد من قصص أصحاب الأخدود ما جاء في الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنه كان لبعض الملوك ساحر ، فلما كبر ضمّ إليه غلاما ليعلّمه السحر ، وكان في طريق الغلام راهب يتكلم بالمواعظ لأجل الناس ، فمال قلب الغلام إلى حديثه ، فرأى في طريقه ذات يوم دابة أو حية قد حبست الناس ، فأخذ حجرا فقال : اللهم إن كان الراهب أحب إليك من الساحر فاقتلها بهذا الحجر ، فقتلها .

وكان ذلك الغلام بعدئذ يتعلم من الراهب إلى أن صار بحيث يبرئ الأكمه والأبرص ، ويشفي من الداء .

وعمي جليس للملك فأبرأه ، فأبصره الملك فسأله : من رد عليك بصرك ؟ فقال : رب ، فغضب ، فعذّبه ، فدل على الغلام ، فعذّب الغلام حتى دل على الراهب ، فلم يرجع الراهب عن دينه ، فقدّ بالمنشار ، وأتى الغلام ، فذهب به إلى جبل ليطرح من ذروته ، فدعا فرجف بالقوم فطاحوا ونجا ، فذهبوا به إلى قرقور ( سفينة صغيرة ) ، فلججوا ليغرقوه ، فدعا ، فانكفأت بهم السفينة ، فغرقوا ونجا ، وقال الملك : لست بقاتلي حتى تجمع الناس في صعيد ، وتصلبني على جذع ، وتأخذ سهما من كنانتي وتقول : بسم الله رب الغلام ، ثم ترميني به .

فرماه فوقع في صدغه ، فوضع يده عليه ومات ، فقال الناس : آمنا برب الغلام ، فقيل للملك : نزل بك ما كنت تحذر ، فأمر بأخاديد في أفواه السّكك وأوقدت فيها النيران ، فمن لم يرجع منها طرحه فيها ، حتى جاءت امرأة معها صبي ، فتقاعست أن تقع فيها ، فقال الصبي : يا أماه ، اصبري فإنك على الحق ، وما هي إلا غميضة ، فصبرت واقتحمت ) . vii .

i جاء في تفسير البحر المحيط ما يأتي :

وإنما ذكر الأوصاف التي يستحق بها تعالى أن يؤمن به ، وهي كونه ( عزيزا ) أي : غالبا قادرا يخشى عقابه . ( حميدا ) أي : منعما يجب له الحمد على نعمه { له ملك السماوات والأرض } أي : وكل من فيهما يحق عليه عبادته والخشوع له ، وإنما ذكر ذلك تقريرا ، لأن ما نقموه منهم هو الحق ، ولا ينقمه إلا مبطل منهمك في الغيّ والضلال .

ii في ظلال القرآن ، الأستاذ سيد قطب ، دار المشرق المجلد 6 ص 3874 .

iii يقرأ في العشاء الآخرة :

رواه أحمد في مسنده ( 8132 ) من حديث أبي هريرة بلفظ : يقرأ في العشاء الآخرة بالسماء ، يعني : ذات البروج ، والسماء والطارق .

iv أمر أن يقرأ بالسماوات في العشاء :

رواه أحمد في مسنده ( 8133 ) من حديث أبي هريرة بلفظ : أمر أن يقرأ بالسماوات في العشاء .

v وقال الضحاك : هم قوم من النصارى كانوا باليمن قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعين سنة ، أخذهم يوسف بن شراحيل ابن تبّع الحميري ، وكانوا نيفا وثمانين رجلا ، وحفر لهم أخدودا وأحرقهم فيه .

vi تفسير ابن كثير : 4/549 .

vii التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج ، الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي دار الفكر المعاصر بيروت لبنان ، الجزء 30/152 -154 .