{ وإذا قيل لهم آمنوا } هذا من تمام النصح والإرشاد فإنّ كمال الإيمان بمجموع أمرين : الإعراض عما لا ينبغي وهو المقصود بقوله : لا تفسدوا والإتيان بما ينبغي وهو المطلوب بقوله : { آمنوا } . { كما آمن الناس } أي : كإيمان الناس الكاملين في الإنسانية الموافق باطنهم فيه لظاهرهم العاملين بقضية العقل ، فاللام في الناس للجنس فإنّ اسم الجنس كما يستعمل لمسماه مطلقاً يستعمل لما يستجمع المعاني المخصوصة به والمقصودة منه ، أو للعهد ، والمراد به الرسول ومن معه ، أو عبد الله بن سلام وغيره من مؤمني أهل الكتاب . وقرأ هشام والكسائي : قيل ، بإشمام القاف وهو أن تضم القاف قبل الباء ، ولورش في الهمزة من آمنوا وآمن المدّ والتوسط والقصر { قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء } أي : الجهال ، فاللام في السفهاء للعهد وهم من تقدّم ، أو لجنس السفهاء بأسرهم وإنما سفهوهم لاعتقاد فساد رأيهم ، أو لتحقير شأنهم فإنّ أكثر المؤمنين كانوا فقراء ومنهم موال كصهيب وبلال أو للتجلد وعدم المبالاة بمن آمن منهم إن فسر الناس بعبد الله بن سلام وأشياعه .
قال الله تعالى رداً عليهم أبلغ رد : { ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون } أنهم سفهاء بما فعلوه من إبطان غير ما أظهروه ، ووجه الأبلغية في تجهيلهم أنّ الجاهل بجهله الجازم على خلاف ما هو الواقع أعظم ضلالة وأتم جهالة من المتوقف المعترف بجهله فإنه ربما يعذر وتنفعه الآيات والنذر .
فإن قيل : كيف يصح النفاق مع المجاهرة بقولهم : أنؤمن كما آمن السفهاء ؟ أجيب : بأنّ هذا القول كانوا يقولونه فيما بينهم لا عند المؤمنين فأخبر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بذلك والسفه خفة وسخافة رأي يقتضيهما نقصان العقل والعلم يقابله .
فإن قيل : لم عبر في هذه الآية بلا يعلمون وفي التي قبلها بلا يشعرون ؟ أجيب : بأنّ التعبير بلا يعلمون أكثر مطابقة لذكر السفه لأن السفه جهل فطابقه العلم ولأنّ أمر الإيمان أخروي يحتاج إلى دقة نظر ، فعبر في الآية التي اشتملت عليه بلا يعلمون ، وأمر البغي والفساد دنيوي فهو كالمحسوس لا يحتاج إلى دقة نظر ، فعبر في الآية التي اشتملت عليه بلا يشعرون ، ويشعر مضارع شعر ، يقال : شعرت كذا ، أي : حسست به أو أدركته ، أي : فطنت له ، وقد استعمل بالمعنى الأوّل في قوله : { وما يشعرون } وفي الثاني بقوله : { لا يشعرون } كما يعلم مما به قررته في الآيتين ، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي : السفهاء ألا ، بتحقيق الهمزتين ، وكذا كل همزتين وقعتا في كلمتين اتفقتا أو اختلفتا ، والباقون وهم نافع وابن كثير وأبو عمرو وبإبدال الثانية واواً خالصة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.