السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ كَمَآ ءَامَنَ ٱلنَّاسُ قَالُوٓاْ أَنُؤۡمِنُ كَمَآ ءَامَنَ ٱلسُّفَهَآءُۗ أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ ٱلسُّفَهَآءُ وَلَٰكِن لَّا يَعۡلَمُونَ} (13)

{ وإذا قيل لهم آمنوا } هذا من تمام النصح والإرشاد فإنّ كمال الإيمان بمجموع أمرين : الإعراض عما لا ينبغي وهو المقصود بقوله : لا تفسدوا والإتيان بما ينبغي وهو المطلوب بقوله : { آمنوا } . { كما آمن الناس } أي : كإيمان الناس الكاملين في الإنسانية الموافق باطنهم فيه لظاهرهم العاملين بقضية العقل ، فاللام في الناس للجنس فإنّ اسم الجنس كما يستعمل لمسماه مطلقاً يستعمل لما يستجمع المعاني المخصوصة به والمقصودة منه ، أو للعهد ، والمراد به الرسول ومن معه ، أو عبد الله بن سلام وغيره من مؤمني أهل الكتاب . وقرأ هشام والكسائي : قيل ، بإشمام القاف وهو أن تضم القاف قبل الباء ، ولورش في الهمزة من آمنوا وآمن المدّ والتوسط والقصر { قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء } أي : الجهال ، فاللام في السفهاء للعهد وهم من تقدّم ، أو لجنس السفهاء بأسرهم وإنما سفهوهم لاعتقاد فساد رأيهم ، أو لتحقير شأنهم فإنّ أكثر المؤمنين كانوا فقراء ومنهم موال كصهيب وبلال أو للتجلد وعدم المبالاة بمن آمن منهم إن فسر الناس بعبد الله بن سلام وأشياعه .

قال الله تعالى رداً عليهم أبلغ رد : { ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون } أنهم سفهاء بما فعلوه من إبطان غير ما أظهروه ، ووجه الأبلغية في تجهيلهم أنّ الجاهل بجهله الجازم على خلاف ما هو الواقع أعظم ضلالة وأتم جهالة من المتوقف المعترف بجهله فإنه ربما يعذر وتنفعه الآيات والنذر .

فإن قيل : كيف يصح النفاق مع المجاهرة بقولهم : أنؤمن كما آمن السفهاء ؟ أجيب : بأنّ هذا القول كانوا يقولونه فيما بينهم لا عند المؤمنين فأخبر الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بذلك والسفه خفة وسخافة رأي يقتضيهما نقصان العقل والعلم يقابله .

فإن قيل : لم عبر في هذه الآية بلا يعلمون وفي التي قبلها بلا يشعرون ؟ أجيب : بأنّ التعبير بلا يعلمون أكثر مطابقة لذكر السفه لأن السفه جهل فطابقه العلم ولأنّ أمر الإيمان أخروي يحتاج إلى دقة نظر ، فعبر في الآية التي اشتملت عليه بلا يعلمون ، وأمر البغي والفساد دنيوي فهو كالمحسوس لا يحتاج إلى دقة نظر ، فعبر في الآية التي اشتملت عليه بلا يشعرون ، ويشعر مضارع شعر ، يقال : شعرت كذا ، أي : حسست به أو أدركته ، أي : فطنت له ، وقد استعمل بالمعنى الأوّل في قوله : { وما يشعرون } وفي الثاني بقوله : { لا يشعرون } كما يعلم مما به قررته في الآيتين ، وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي : السفهاء ألا ، بتحقيق الهمزتين ، وكذا كل همزتين وقعتا في كلمتين اتفقتا أو اختلفتا ، والباقون وهم نافع وابن كثير وأبو عمرو وبإبدال الثانية واواً خالصة .