السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَالَ فَٱذۡهَبۡ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَۖ وَإِنَّ لَكَ مَوۡعِدٗا لَّن تُخۡلَفَهُۥۖ وَٱنظُرۡ إِلَىٰٓ إِلَٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلۡتَ عَلَيۡهِ عَاكِفٗاۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُۥ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُۥ فِي ٱلۡيَمِّ نَسۡفًا} (97)

ثم إن موسى لما سمع من السامري ما ذكر { قال } له { فاذهب } أي : فتسبب عن فعلك أن أقول لك : اذهب من بيننا ، وحيث ذهبت { فإن لك في الحياة } أي : ما دمت حياً { أن تقول } لكل من رأيته { لا مساس } أي : لا تمسني ولا أمسك ، فلا تقدر أن تنفك عن ذلك ، فكان يهيم في البرية مع الوحوش والسباع ، وإذا مس أحداً أو مسه أحد حما جميعاً عاقبه الله تعالى بذلك ، وكان إذا لقي أحداً يقول لا مساس ؛ أي : لا تقربني ولا تمسني ، وقال ابن عباس لا مساس لك ولولدك حتى أن بقاياهم اليوم يقولون ذلك ، وإذا مس أحد من غيرهم أحداً منهم حما جميعاً في ذلك الوقت { وإن لك } بعد الممات { موعداً } للثواب إن تبت ، والعقاب إن أبيت { لن تخلقه } قرأ ابن كثير وأبو عمرو بكسر اللام أي : لن تغيب عنه ، والباقون بفتحها أي : بل تبعث إليه ، فلا انفكاك لك عنه كما أنك في الحياة لا تقدر أن تنفك عن النفرة من الناس ، فاختر لنفسك ما يحلو . ولما ذكر ما للإله الحق من القدرة التامة في الدارين أتبعه عجز العجل ، فقال : { وانظر إلى إلهك } أي : بزعمك { الذي ظلت } أي : دمت في مدة يسيرة جداً بما أشار إليه تخفيف التضعيف ، فإن أصله ظللت بلامين أولاهما مكسورة حذفت تخفيفاً { عليه عاكفاً } أي : مقيماً تعبده { لنحرّقنّه } أي : بالنار وبالمبرد قال البقاعي : كما سلف عن نص التوراة ، وكان معنى ذلك أنه أحماه حتى لان ، فهان على المبارد انتهى ، { ثم لننسفنه } أي : لنذرينه إذا صار سحالة { في اليمّ } أي : في البحر الذي أغرق الله تعالى فيه آل فرعون ، ثم يجمع الله تعالى سحالته التي هي من حليهم ، فيحميها في نار جهنم ، ويكويهم بها ، ويجعلها من أشد العذاب عليهم ، وأكد الفعل إظهاراً لعظمة الله تعالى الذي أمره بذلك ، وتحقيقاً للصدق في الوعد ، فقال : { نسفاً } قال الجلال المحلي ، وفعل موسى عليه السلام بعد ذبحه ما ذكره انتهى ، وعلى هذا لا يصح أن يبرد بالمبرد ؛ قال الرازي : ويمكن أن يقال صار لحماً ودماً ، وذبح ثم بردت عظامه بالمبرد حتى صارت بحيث يمكن نسفها .