{ قال } السامري : مجيباً له { بصرت } من البصر والبصيرة { بما لم يبصروا به } أي : رأيت ما لم ير بنو إسرائيل ، وعرفت ما لم يعرفوا ، وقال ابن عباس : علمت ما لم يعلموا ، ومنه قولهم : رجل بصير ، أي : عالم قاله أبو عبيدة وأراد أنه رأى جبريل عليه السلام ، فأخذ من موضع حافر دابته قبضة من تراب كما قال : { فقبضت } أي : فكان ذلك سبباً ؛ لأن قبضت { قبضة } أي : مرة من القبض أطلقها على المقبوض تشبيهاً للمفعول بالمصدر { من أثر } فرس ذلك { الرسول } أي : المعهود { فنبذتها } أي : في الحلي الملقى في النار ، أو في العجل { وكذلك } أي : وكما سولت لي نفسي أخذ أثره { سوَّلت } أي : حسنت وزينت { لي نفسي } نبذها في الحلي ، فنبذتها ، وكان منها ما كان ، ولم يدعني إلى ذلك داع ، ولا حملني عليه حامل غير التسويل .
تنبيه : كون المراد بالرسول جبريل عليه السلام هو ما عليه عامة المفسرين ، وأراد بأثره التراب الذي أخذه من موضع حافر دابته لما رآه يوم فلق البحر ، وعن علي رضي الله تعالى عنه أن جبريل عليه السلام لما نزل ليذهب بموسى إلى الطور أبصره السامري من بين الناس ، واختلفوا في أنه كيف اختص السامري برؤية جبريل عليه السلام ومعرفته من بين الناس ، فقال ابن عباس في رواية الكلبي : إنما عرفه لأنه رباه في صغره ، وحفظه من القتل حين أمر فرعون بذبح أولاد بني إسرائيل ، فكانت المرأة إذا ولدت طرحت ولدها حيث لا يشعر به آل فرعون ، فتأخذ الملائكة الولدان ويربونهم حتى يترعرعوا ويختلطوا بالناس ، فكان السامري ممن أخذه جبريل ، وجعل كف نفسه في فيه ، وارتضع منه العسل واللبن ، فلم يزل يختلف إليه حتى عرفه ، فلما رآه عرفه ؛ قال ابن جريح : فعلى هذا قوله : { بصرت بما لم يبصروا به } يعني : رأيت ما لم يروه .
ومن فسر الإبصار بالعلم ، فهو صحيح ، ويكون المعنى : علمت أن تراب فرس جبريل عليه السلام له خاصية الإحياء ؛ قال أبو مسلم ليس في القرآن تصريح بهذا الذي ذكره المفسرون ، فهاهنا وجه آخر ، وهو أن يكون المراد بالرسول موسى عليه السلام وبأثره سنته ورسمه الذي أمر به ، فقد يقول الرجل : إن فلاناً يقفوا أثر فلان ، ويقتص أثره إذا كان يمتثل رسمه ، والتقدير أن موسى عليه السلام لما أقبل على السامري باللوم ، والمسألة عن الأمر الذي دعاه إلى إضلال القوم في العجل ، قال : بصرت بما لم يبصروا به ؛ أي : عرفت أن الذي أنت عليه ليس بحق ، وقد كنت قبضت قبضة من أثرك أيها الرسول ؛ أي : شيئاً من دينك ، فقذفته ؛ أي : طرحته ، فعند ذلك أعلمه موسى عليه السلام بما له من العذاب في الدنيا والآخرة ، وإنما أورد لفظ الإخبار عن غائب كما يقول الرجل لرئيسه وهو مواجه له ما يقول الأمير في كذا ، أو بماذا يأمر الأمير ، وأما ادعاؤه أن موسى رسول مع جحده وكفره .
فعلى مذهب من حكى الله فيه قوله : { يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون } [ الحجر ، 6 ] ، وإن لم يؤمنوا بالإنزال قال الرازي : وهذا القول الذي ذكره أبو مسلم ليس فيه إلا أنه مخالف للمفسرين ، ولكنه أقرب إلى التحقيق لوجوه :
أحدها : أنَّ جبريل عليه السلام ليس معهود باسم الرسول ، ولم يجرِ له فيما تقدم ذكر حتى تجعل لام التعريف إشارة إليه ، فإطلاق لفظ الرسول لإرادة جبريل كأنه تكليف بعلم الغيب .
وثانيها : أنه لا بد فيه من الإضمار ، وهو قبضة من أثر حافر دابة الرسول ، والإضمار خلاف الأصل . r
وثالثها : أنه لا بد من التعسف في بيان أن السامري كيف اختص من بين جميع الناس برؤية جبريل ومعرفته ، وكيف عرف أن تراب حافر فرسه له هذا الأثر ، والذي ذكروه من أن جبريل هو الذي رباه فبعيد ؛ لأن السامري إن عرف أنه جبريل حال كمال عقله عرف قطعاً أن موسى نبّي صادق ، فكيف يحاول الإضلال ، وإن كان ما عرفه حال البلوغ ، فأنى ينفعه كون جبريل مر بباله حال الطفولية في حصول تلك المعرفة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.