السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ} (4)

ولما بين تعالى الأصل الأول وهو التوحيد ذكر الأصل الثاني وهو الرسالة بقوله تعالى : { وإن يكذّبوك } أي : يا أشرف الخلق في مجيئك بالتوحيد والبعث والحساب والعقاب وغير ذلك { فقد كذبت رسل من قبلك } في ذلك ، فإن قيل : فما وجه صحة جزاء الشرط ومن حق الجزاء أن يعقب الشرط وهذا سابق له ؟ أجيب : بأن معناه وإن يكذبوك فتأس بتكذيب الرسل من قبلك فوضع { فقد كذبت رسل من قبلك } موضع «فتأس » استغناء بالسبب عن المسبب أعني بالتكذيب عن التأسي ، فإن قيل : ما معنى التنكير في رسل ؟ أجيب : بأن معناه فقد كذبت رسل أي : رسل ذوو عدد كثير وأولو آيات ونذر وأهل أعمار طوال ، وأصحاب صبر وعزم وما أشبه ذلك ، وهذا أسلى له وأحث على المصابرة .

قال القشيري : وفي هذا إشارة للحكماء وأرباب القلوب مع العوام والأجانب من هذه الطريقة فإنهم لا يقبلون منهم إلا القليل ، وأهل الحقائق أبداً منهم في مقاساة الأذية ، والعوام أقرب إلى هذه الطريقة من القراء المتعنتين .

ثم بين من حيث الإجمال أن المكذِّب في العذاب ، وأن المكذَّب له الثواب بقوله تعالى : { وإلى الله } أي : وحده ؛ لأن له الأمور كلها { ترجع الأمور } أي : في الآخرة فيجازيكم وإياهم على الصبر والتكذيب .