السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰۚ وَإِن تَدۡعُ مُثۡقَلَةٌ إِلَىٰ حِمۡلِهَا لَا يُحۡمَلۡ مِنۡهُ شَيۡءٞ وَلَوۡ كَانَ ذَا قُرۡبَىٰٓۗ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِٱلۡغَيۡبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفۡسِهِۦۚ وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلۡمَصِيرُ} (18)

وقوله تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } فيه حذف الموصوف للعلم به أي : ولا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى ، فإن قيل : كيف التوفيق بين هذا وبين قوله تعالى { وليحملُنّ أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم } ؟ ( العنكبوت : 13 ) أجيب : بأن تلك الآية في الضالين المضلين فإنهم يحملون أثقال إضلالهم وكل ذلك أوزارهم وليس فيها شيء من أوزار غيرهم . { وإن تدع } أي : نفس { مثقلة } أي : بالوزر { إلى حملها } أي : من الوزر أحداً ليحمل بعضه { لا يحمل } أي : من حامل ما { منه شيء } أي : لا طواعية ولا كرهاً بل لكل امرئ شأن يغنيه { ولو كان } ذلك الداعي أو المدعو للحمل { ذا قربى } لمن دعاه .

فإن قيل : ما الفرق بين معنى قوله تعالى { ولا تزر وازرة وزر أخرى } ومعنى قوله تعالى { وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء } ؟ أجيب : بأن الأول : في الدلالة على عدل الله تعالى في حكمه وأنه لا يؤاخذ نفساً بغير ذنبها ، والثاني : في أن لا غياث يومئذ بمن استغاث حتى أن نفساً قد أثقلتها الأوزار لَوْ دَعت إلى أن تخفف بعض وزرها لم تجب ولم تغث ، وإن كان الداعي أو المدعو بعض قرابتها من أب أو ولد أو أخ قال ابن عباس : يلقى الأب أو الأم ابنه فيقول : يا بني احمل عني بعض ذنوبي فيقول لا أستطيع حسبي ما علي .

تنبيه : أضمر الداعي أو المدعو بدلالة إن تدع عليه .

ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعهم ذلك فلم ينفعهم نزل { إنما تنذر } أي : إنذاراً يفيد الرجوع عن الغي { الذين يخشون ربهم } أي : المحسن إليهم فيوقعون هذا الفعل في الحال ويواطئون عليه في الاستقبال ، ولما كان أولى الناس عقلاً وأعلاهم همة من كان غيبه مثل حضوره قال تعالى { بالغيب } وهو حال من الفاعل أي : يخشونه غائبين بين عنه أو من المفعول أي : غائباً عنهم .

ولما كانت الصلاة جامعة للخضوع الظاهر والباطن فكانت أشرف العبادات وكانت إقامتها بمعنى حفظ جميع حدودها في كل حال أدل الطاعات على الإخلاص قال تعالى معبراً بالماضي ؛ لأن مواقيت الصلاة مضبوطة { وأقاموا } أي : دليلاً على خشيتهم { الصلاة } في أوقاتها الخمسة وما يتبع ذلك من السنن { ومن تزكى } أي : تطهر بفعل الطاعات وترك المعاصي { فإنما يتزكى لنفسه } إذ نفعه لها { وإلى الله } أي : الذي لا إله غيره { المصير } أي : المرجع كما كان منه المبدأ فيجازي كلاً على فعله .