السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{لَّـٰكِنِ ٱلرَّـٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ مِنۡهُمۡ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَۚ وَٱلۡمُقِيمِينَ ٱلصَّلَوٰةَۚ وَٱلۡمُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ أُوْلَـٰٓئِكَ سَنُؤۡتِيهِمۡ أَجۡرًا عَظِيمًا} (162)

ولما بين سبحانه وتعالى ما للمطبوع على قلوبهم الغريقين في الكفر من العقاب بين ما لنيري البصائر بالرسوخ في العلم والإيمان من الثواب فقال :

{ لكن الراسخون } أي : الثابتون المتمكنون { في العلم منهم } أي : من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه { والمؤمنون } أي : من المهاجرين والأنصار { يؤمنون بما أنزل إليك } أي : القرآن { وما أنزل من قبلك } أي : من سائر الكتب المنزلة وقوله تعالى : { والمقيمين الصلاة } نصب على المدح ؛ لأنّ الصلاة لما كانت أعظم دعائم الدين ولذلك كانت ناهية عن الفحشاء والمنكر نصبت على المدح من بين هذه المرفوعات إظهاراً لفضلها .

وحكي عن عائشة رضي الله تعالى عنها وأبان بن عثمان أنّ ذلك غلط من الكاتب ينبغي أن يكتب والمقيمون الصلاة ، وكذلك قوله في سورة المائدة : { إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى } وقوله تعالى : { إنّ هذان لساحران } ( طه ، 63 ) .

قالا : ذلك خطأ من الكاتب ، وقال عثمان : إنّ في المصحف لحناً وستقيمه العرب بألسنتها ، فقيل له : ألا تغيره فقال : دعوه فإنه لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً وعامّة الصحابة وأهل العلم على إنه صحيح كما قدّمناه ، وقيل : نصب بإضمار فعل تقديره : أعني المقيمين الصلاة ، وقوله تعالى : { والمؤتون الزكاة والمؤمنون بالله واليوم الآخر } رجوع إلى النسق الأوّل { أولئك سنؤتيهم } بوعد لا خلف فيه على جمعهم بين الإيمان الصحيح والعمل الصالح { أجراً عظيماً } وهو الجنة والنظر إلى وجهه الكريم .