السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَنَزَعَ يَدَهُۥ فَإِذَا هِيَ بَيۡضَآءُ لِلنَّـٰظِرِينَ} (108)

{ ونزع يده } أي : أخرجها من جيبه ، وقيل : من تحت إبطه بعد أن أراه إياها محترقة أدماً كما كانت وهي عنده { فإذا هي بيضاء } نورانية { للناظرين } لها شعاع غلب شعاع الشمس قال ابن عباس : كان لها نور ساطع يضيء ما بين السماء والأرض له لمعان مثل لمعان البرق فخرّوا على وجوههم ثم ردّها إلى جيبه فإذا هي كما كانت ولما كان البياض المفرط عيباً في الجسد وهو البرص قال الله تعالى في آية أخرى : { من غير سوء } ( طه ، 22 )

أي : من غير برص .

فإن قيل : بم يتعلق قوله تعالى : { للناظرين } ؟ أجيب : بأنه يتعلق بقوله تعالى : { بيضاء } والمعنى : فإذا هي بيضاء للنظارة ولا تكون بيضاء للنظارة إلا إذا كان بياضها بياضاً عجيباً خارجاً عن العادة يجتمع الناس للنظر إليه كما تجتمع النظارة للعجائب .

فإن قيل : أحد هذين الأمرين إمّا العصا وإمّا اليد كان كافياً فما فائدة الجمع بينهما ؟ أجيب : بأنّ كثرة الدلائل توجب القوّة في اليقين وزوال الشك وقول بعض الملحدين : المراد بالثعبان وباليد البيضاء شيء واحد -وهو أنّ حجة موسى عليه السلام كانت قوية ظاهرة قاهرة من حيث أنها أبطلت أقوال المخالفين وأظهرت فسادها كانت كالثعبان العظيم الذي يتلقف حجج المبطلين ومن أنها كانت ظاهرة في نفسها وصفت باليد البيضاء كما يقال في العرف : لفلان يد بيضاء في العلم الفلاني أي : قوة كاملة ومرتبة ظاهرة مردود إذ حمل هاتين المعجزتين على هذا الوجه يجري مجرى دفع التواتر وتكذيب الله ورسوله ولما أتى بالبيان وأقام واضح البرهان .