اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَنَزَعَ يَدَهُۥ فَإِذَا هِيَ بَيۡضَآءُ لِلنَّـٰظِرِينَ} (108)

النّزع في اللُّغَةِ عبارة عن إخراج الشَّيء عن مكانه ، فقوله : " نَزعَ يَدَهُ " أي أخرجها من جَيْبِهِ ومن جناحه ، بدليل قوله : { وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ } [ النمل : 12 ] ، وقوله : { واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ } [ طه : 22 ] .

قوله : { فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ } قال ابن عباس : " كان لها نور ساطع يضيء بين السَّماء والأرض " {[16653]} ، واعلم أنَّهُ لمَّا كان البياض كالعيب بيَّن تعالى في غير هذه الآية أنَّهُ كان من غير سوء .

قوله : " للنَّاظرينَ " متعلق بمحذوف لأنَّهُ صفة ل " بيضاء " وقال الزَّمخشريُّ{[16654]} : " فإن قلت : بم تعلق للناظرين ؟ قلت : يتعلَّقُ ب " بيضاء " والمعنى : فإذا هي بيضاء للنَّظارة ، ولا تكون بيضاء للنَّظَّارةِ إلا إذا كان بياضها بياضاً عجيباً خارجاً عن العادةِ ، يجتمعُ النَّاس للنَّظر إليه ، كما يجتمع النَّظَّارة للعجائب " .

وهذا الذي ذكره الزمخشريُّ تفسير معنى لا تفسير إعراب ، وكيف يريدُ تفسير الإعراب ؟ وإنَّما أراد التعلُّق المعنويُّ لا الصّناعي ، كقولهم : هذا الكلامُ يتعلق بهذا الكلام . أي إنَّهُ من تتمَّةِ المعنى له .

فإن قيل : إن المعجز الواحد كان كافيا فالجمع بينهما كان عبثا .

فإن قيل : إنَّ كثرة الدَّلائل توجب القوَّةَ في النَّفْسِ ، وسيأتي في سورة طه - إن شاء الله تعالى - أن انقلاب العصا أعظم من اليد البيضاء .


[16653]:ذكره القرطبي في تفسيره (7/164) عن ابن عباس.
[16654]:ينظر: الكشاف 2/138.