السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{۞وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلۡنَا عَلَىٰ عَبۡدِنَا يَوۡمَ ٱلۡفُرۡقَانِ يَوۡمَ ٱلۡتَقَى ٱلۡجَمۡعَانِۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (41)

{ واعلموا أنما غنمتم } أي : أخذتم من الكفار الحربيين { من شيء } مما يقع عليه اسم شيء مما هو لهم ولو اختصاصاً { فأنّ لله خمسه وللرسول } .

واعلم أنّ الغنيمة والفيء اسمان لما يصيبه المسلمون من الحربيين والصحيح أنهما مختلفان ، فالفيء ما حصل لنا مما هو لهم بلا إيجاف كجزية وعشر تجارة وما جلوا عنه ولو لغير خوف كضرّ أصابهم ، وتركه مرتدّ وكافر معصوم بلا وارث ، وكذا الفاضل عن وارث له غير حائز وسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى عند قوله تعالى : { ما أفاء الله على رسوله } ( الحشر ، 7 ) ، وأمّا الغنيمة فهي ما حصل لنا منهم مما هو لهم بإيجاف أو سرقة أو التقاط ، وكذا ما انهزموا عنه عند التقاء الصفين ، ولو قبل شهر السلاح ، أو أهداه الكافر لنا والحرب قائمة ، ولم تحلّ الغنائم لأحد قبل الإسلام بل كانت الأنبياء إذا غنموا مالاً جمعوه ، فتأتي نار من السماء تأخذه ، ثم أحلت للنبيّ صلى الله عليه وسلم وكانت في صدر الإسلام له خاصة ؛ لأنه كالمقاتلين كلهم نصرة وشجاعة بل أعظم ، ثم نسخ ذلك واستقل الأمر على أنها تجعل خمسة أقسام متساوية ، ويؤخذ خمس رقاع ويكتب على واحدة لله أو للمصالح وعلى أربع للغانمين ، ثم تدرج في بنادق مستوية ، ويخرج لكل خمس رقعة ، فما خرج لله أو للمصالح جعل بين أهل الخمس على خمسة أصناف ، وهو النبيّ صلى الله عليه وسلم ومن معه وذكر الله تعالى في الآية للتبرك ، وأما ما كان له صلى الله عليه وسلم فهو لمصالح المسلمين كسد الثغور وأرزاق علماء بعلوم تتعلق بمصالحنا كتفسير وفقه وحديث ، والصنف الثاني : ما ذكره الله تعالى بقوله : { ولذي القربى } أي : قرابة النبيّ صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وبني المطلب دون من عداهم لاقتصاره صلى الله عليه وسلم في القسم عليهم مع سؤال غيرهم من بني عمهم نوفل وعبد شمس له لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد وشبك بين أصابعه ) فيعطون ولو أغنياء ، ويفضل الذكر على الأنثى كالإرث ؛ لأنه عطية من الله تعالى تستحق بقرابة الأب كالإرث ، فلا يعطي أولاد البنات من بني هاشم والمطلب شيئاً ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يعط الزبير وعثمان مع أنّ أمّ كل واحد منهما كانت هاشمية .

والصنف الثالث : ما ذكره الله تعالى بقوله : { واليتامى } اليتيم صغير ولو أنثى لخبر : «لا يتم بعد احتلام » لا أب له وإن كان له أمّ وجد ، ومن فقد أمّه فقط يقال له : منقطع ، واليتيم في البهائم من فقد أمّه ، وفي الطير من فقد أباه وأمّه .

والصنف الرابع : ما ذكره الله تعالى بقوله : { والمساكين } الصادقين بالفقراء والمسكين من له مال أو كسب لائق به يقع موقعاً من كفايته ولا يكفيه العمر الغالب ، وقيل : سنة كمن يملك أو يكسب سبعة أو ثمانية ولا يكفيه إلا عشرة ، والفقير من لا مال له أو له ذلك ولا يقع موقعاً من كفايته كمن يحتاج إلى عشرة ، ولا يملك أو لا يكتسب إلا درهمين أو ثلاثة .

والصنف الخامس : ما ذكره الله تعالى بقوله : { وابن السبيل } وهو المسافر المحتاج ، ولا معصية بسفره والأخماس الأربعة الباقية للغانمين ، وهم من حضر القتال ولو في أثنائه بنية القتال وإن لم يقاتل أو حضر بلا نية وقاتل كأجير لحفظ أمتعة وتاجر ومحترف ، وقوله تعالى : { إن كنتم آمنتم بالله } متعلق بمحذوف دل عليه واعلموا أي : إن كنتم آمنتم بالله فاعلموا أنه جعل الخمس لهؤلاء فسلموه إليهم واقنعوا بالأخماس الأربعة الباقية ، فإنّ العلم العملي إذا أمر به لم يرد منه العلم المجرد ؛ لأنه مقصود بالعرض ، والمقصود بالذات هو العمل وقوله تعالى : { وما } عطف على بالله { أنزلنا على عبدنا } محمد صلى الله عليه وسلم من الآيات والملائكة والنصر { يوم الفرقان } أي : يوم بدر ، فإنه فرق به بين الحق والباطل { يوم التقى الجمعان } أي : جمع المؤمنين وجمع الكافرين ، وهو يوم بدر وهو أوّل مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رأس المشركين عتبة بن ربيعة ، فالتقوا يوم الجمعة لتسعة عشر أو لسبعة عشر من رمضان وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً والمشركون ما بين الألف والتسعمائة فهزم الله تعالى المشركين ، وقتل منهم سبعون ، وأسر منهم مثل ذلك { وا

على كلّ شيء قدير } فيقدر على نصر القليل على الكثير ، والدليل على العزيز كما فعل ذلك بكم ذلك اليوم .