إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{فَلَعَلَّكَ تَارِكُۢ بَعۡضَ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيۡكَ وَضَآئِقُۢ بِهِۦ صَدۡرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ كَنزٌ أَوۡ جَآءَ مَعَهُۥ مَلَكٌۚ إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٞۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ وَكِيلٌ} (12)

{ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يوحى إِلَيْكَ } من البينات الدالةِ على حقية نبوَّتِك المناديةِ بكونها من عند الله عز وجل لمن له أُذنٌ واعية { وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ } أي عارضٌ لك ضِيقُ صَدرٍ بتلاوته عليهم وتبليغِه إليهم في أثناء الدعوةِ والمُحاجّة { أَن يَقُولُواْ } لأن يقولوا تعامِياً عن تلك البراهينِ التي لا تكاد تخفى صحّتُها على أحد ممن له أدنى بصيرةٍ ، وتمادياً في العِناد على وجه الاقتراح { لَوْلاَ أُنُزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ } مالٌ خطيرٌ مخزونٌ يدل على صدقه { أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ } يصدّقه . قيل : قاله عبدُ اللَّه بنُ أميةَ المخزوميُّ ، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رؤساءَ مكةَ قالوا : يا محمد اجعل لنا جبالَ مكةَ ذهباً إن كنت رسولاً ، وقال آخرون : ائتِنا بالملائكة يشهدوا بنبوتك فقال : «لا أقدِر على ذلك » فنزلت فكأنه عليه الصلاة والسلام لما عاين اجتراءَهم على اقتراح مثلِ هذه العظائمِ ، غيرَ قانعين بالبينات الباهرةِ التي كانت تَضْطرّهم إلى القَبول لو كانوا من أرباب العقولِ وشاهدَ ركوبَهم من المكابرة مَتنَ كلِّ صَعْبٍ وذَلولٍ مسارعين إلى المقابلة بالتكذيب والاستهزاءِ وتسميتِها سحراً مُثّل حالُه عليه الصلاة والسلام بحال من يُتوقّع منه أن يضيقَ صدرُه بتلاوة تلك الآيات الساطعةِ عليهم وتبليغِها إليهم فحُمل على الحذر منه بما في لعل من الإشفاق فقيل : { إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ } ليس عليك إلا الإنذارُ بما أوحي إليك غيرَ مبالٍ بما صدر عنهم من الرد والقَبولِ { والله على كُلّ شيء وَكِيلٌ } يحفَظ أحوالَك وأحوالَهم فتوكلْ عليه في جميع أمورِك فإنه فاعلٌ بهم ما يليق بحالهم ، والاقتصار على النذير في أقصى غايةٍ من إصابة المَحزّ{[403]} .


[403]:أصاب المحز: أي أصاب الهدف، أو وقع كلامه في موضعه وغايته المرجوة.