إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قُلۡ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡ يُوحَىٰٓ إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا} (110)

{ قُلْ } لهم بعد ما بينْتَ لهم شأن كلماتِه تعالى : { إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ } لا أدّعي الإحاطةَ بكلماته التامة { يوحى إِلَيَّ } من تلك الكلماتِ { أَنَّمَا إلهكم إله واحد } لا شريكَ له في الخلق ولا في سائر أحكامِ الألوهيةِ ، وإنما تميزْتُ عنكم بذلك { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ } الرجاءُ توقعُ وصولِ الخير في المستقبل ، والمرادُ بلقائه تعالى كرامتُه ، وإدخالُ الماضي على المستقبل للدِلالة على أن اللائقَ بحال المؤمن الاستمرارُ والاستدامةُ على رجاء اللقاءِ ، أي فمن استمر على رجاء كرامتِه تعالى { فَلْيَعْمَلِ } لتحصيل تلك الطِّلْبةِ العزيزة { عَمَلاً صالحا } في نفسه لائقاً بذلك المرجوِّ كما فعله الذين آمنوا وعملوا الصالحات { وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ أَحَدَا } إشراكاً جلياً كما فعله الذين كفروا بآيات ربِّهم ولقائه ، ولا إشراكاً كما يفعله أهلُ الرياء ومَنْ يطلبُ به أجراً ، وإيثارُ وضعِ المُظهَرِ موضعَ المُضمر في الموضعين مع التعرض لعنوان الربوبيةِ لزيادة التقريرِ ، وللإشعار بعلية العنوانِ للأمر والنهي ووجوبِ الامتثالِ فعلاً وتركاً . روي أن جُندُبَ بنَ زهير رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأعمل العملَ لله تعالى فإذا اطّلع عليه سرّني ، فقال عليه الصلاة والسلام : « إن الله لا يقبل ما شوُرك فيه » فنزلت تصديقاً له . وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال له : « لك أجران أجرُ السرِّ وأجرُ العلانية » وذلك إذا قصد أن يُقتدى به . وعنه عليه السلام : « اتقوا الشركَ الأصغرَ » قيل : وما الشركُ الأصغرُ ؟ قال : « الرياء » .

ختام السورة:

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من قرأ سورةَ الكهفِ من آخرها كانت له نوراً من قَرْنه إلى قدمه ، ومن قرأها كلَّها كانت له نوراً من الأرض إلى السماء » . وعنه صلى الله عليه وسلم : « من قرأ عند مضجعه : { قُلْ إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يوحى إِلَىَّ } الخ ، كان له من مضجعه نوراً يتلألأ إلى مكةَ ، حشْوُ ذلك النورِ ملائكةٌ يصلّون عليه حتى يقوم ، وإن كان مضجعُه بمكةَ كان له نوراً يتلألأ من مضجعه إلى البيت المعمورِ ، حشوُ ذلك النورِ ملائكةٌ يصلُون عليه حتى يستيقظ » الحمد لله سبحانه على نعمه العِظام .