إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَإِذۡ قُلۡنَا ٱدۡخُلُواْ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةَ فَكُلُواْ مِنۡهَا حَيۡثُ شِئۡتُمۡ رَغَدٗا وَٱدۡخُلُواْ ٱلۡبَابَ سُجَّدٗا وَقُولُواْ حِطَّةٞ نَّغۡفِرۡ لَكُمۡ خَطَٰيَٰكُمۡۚ وَسَنَزِيدُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (58)

{ وَإِذْ قُلْنَا } تذكير لنعمة أخرى من جَنابه تعالى وكَفْرةٌ أخرى لأسلافهم أي واذكروا وقت قولِنا لآبائكم إثرَ ما أنقذناهم من التيه { ادخلوا هذه القرية } منصوبةٌ على الظرفية عند سيبويه وعلى المفعولية عند الأخفش ، وهي بيتُ المقدِس وقيل : أريحا { فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا } أي واسعاً هنيئاً ونصبُه على المصدرية أو الحالية من ضمير المخاطبين ، وفيه دلالة على أن المأمورَ به الدخولُ على وجه الإقامة والسُكنى ، فيؤول إلى ما في سورة الأعراف من قوله تعالى : { اسكنوا هذه القرية } [ الكهف ، الآية 12 ]

{ وادخلوا الباب } أي بابَ القرية على ما رُوي من أنهم دخلوا أريحاءَ في زمن موسى عليه السلام كما سيجيء في سورة المائدة أو بابَ القبة التي كانوا يصلّون إليها فإنهم لم يدخلوا بيت المقدس في حياة موسى عليه السلام .

{ سُجَّدًا } أي متطامنين مُخْبتين أو ساجدين لله شكراً على إخراجهم من التيه .

{ وَقُولُوا حِطَّةٌ } أي مسألتُنا أو أمرُك حِطة وهي فِعلة من الحط كالجِلسة وقرئ بالنصب على الأصل بمعنى حُطَّ عنا ذنوبَنا حِطة أو على أنها مفعول قولوا أي قولوا هذه الكلمة وقيل : معناها أمرُنا حِطة أي أن نحُطَّ رحالنا في هذه القرية ونقيمَ بها .

{ نَغْفِرْ لَكُمْ خطاياكم } لما تفعلون من السجود والدعاء ، وقرئ بالياء والتاء على البناء للمفعول ، وأصلُ خطايا خطايئُ كخضايع فعند سيبويه أُبدلت الياءُ الزائدة همزة لوقوعها بعد الألف واجتمعت همزتان وأُبدلت الثانية ياء ، ثم قلبت ألفاً وكانت الهمزة بين ألفين فأُبدلت ياءً وعند الخليل قُدمت الهمزة على الياء ثم فُعل بها ما ذكر .

{ وَسَنَزِيدُ المحسنين } ثواباً جعل الامتثالَ توبةً للمسيءِ وسبباً لزيادة الثواب للمُحْسِنِ وأُخرج ذلك عن صورة الجواب إلى الوعد إيذاناً بأن المحسنَ بصدد ذلك وإن لم يفعله فكيف إذا فعله وأنه يفعله لا محالة .