وقولُه تعالى : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن في السماوات وَمَن في الأرض } الخ ، بيان لما يُوجب الفصلَ المذكور من أعمال الفرقِ المذكورةِ مع الإشارةِ إلى كيفيَّتِه وكونه بطريقِ التَّعذيبِ والإثابة والإكرام والإهانة إثرَ بيان ما يُوجبه من كونِه تعالى شهيداً على جميع الأشياء التي من جُملتها أحوالُهم وأفعالُهم والمراد بالرُّؤيةِ العلم عبَّر عنه بها إشعاراً بظهورِ المعلوم والخطاب لكلِّ أحدٍ ممَّن يتأتَّى منه الرُّؤيةُ بناء على أنَّه من الجلاءِ بحيث لا يخفى على أحدٍ . والمرادُ بالسُّجودِ هو الانقيادُ التَّامُّ لتدبيره تعالى بطريق الاستعارةِ المبنيَّةِ على تشبيهه بأكمل أفعالِ المكلَّفِ في باب الطَّاعةِ إيذاناً بكونه في أقصى مراتب التَّسخُّرِ والتَّذلُّلِ لا سجودُ الطَّاعةِ الخاصَّةِ بالعُقلاءِ سواءٌ جُعلتْ كلمةُ من عامةً لغيرهم أيضاً وهو الأنسبُ بالمقام لإفادته شمولَ الحكم لكلِّ ما فيهما بطريقِ القرارِ فيهما أو بطريق الجُزئيَّةِ منهما فيكون قوله تعالى : { والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب } إفراداً لها بالذِّكرِ لشُهرتِها واستبعادِ ذلك منها عادةً ، أو جُعلت خاصَّةً بالعقلاء لعدم شمول سجود الطَّاعةِ لكلِّهم حسبما يُنبئ عنه قوله تعالى : { وَكَثِيرٌ مّنَ الناس } فإنَّه مرتفعٌ بفعل مضمرٍ يدلُّ عليه المذكور أي ويسجدُ له كثيرٌ من النَّاسِ سجود طاعةٍ وعبادةٍ ومن قضيَّتِه انتفاءُ ذلك عن بعضِهم ، وقيل : هو مرفوعٌ على الابتداء حُذف خبرُه ثقةً بدلالة خبر قسميهِ عليه نحو حقَّ له الثَّوابُ ، والأوَّلُ هو الأَولى لما فيه من التَّرغيبِ في السُّجودِ والطَّاعةِ . وقد جُوِّز أنْ يكونَ من النَّاسِ خبراً له أي من النَّاسِ الذين هم النَّاسُ على الحقيقةِ وهم الصَّالحون والمتَّقون وأنْ يكون قوله تعالى : { وَكَثِيرٌ } معطوفاً على كثيرٌ الأول للإيذانِ بغاية الكثرةِ ثم يخبر عنهم باستحقاقِ العذابِ كأنَّه قيل : وكثيرٌ من النَّاسِ { حَقَّ عَلَيْهِ العذاب } أي بكفرِه واستعصائِه وقُرئ حُقَّ بالضمِّ وحقًّا أي حقَّ عليه العذابُ حقًّا { وَمَن يُهِنِ الله } بأن كتبَ عليه الشَّقاوةَ حسبما علمه من صرفِ اختياره إلى الشرِّ { فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ } يُكرمه بالسَّعادةِ .
وقُرئ بفتح الرَّاءِ على أنَّه مصدرٌ ميميٌّ { إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يَشَاء } من الأشياء التي من جُملتها الإكرامُ والإهانةُ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.