الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسۡجُدُۤ لَهُۥۤ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلۡأَرۡضِ وَٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلۡجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٞ مِّنَ ٱلنَّاسِۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيۡهِ ٱلۡعَذَابُۗ وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّكۡرِمٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَفۡعَلُ مَا يَشَآءُ۩} (18)

ثم قال تعالى : { ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض }[ 18 ] .

أي : يخضعون وينقادون لله .

وقيل{[46719]} : السجود هنا مما لا يعقل ، ومن الموات والكفار إنما هو ظهور أثر{[46720]} الصنعة عليها ، والخضوع الذي يدل على أنها مخلوقة . وانقيادها لله وتصريف الله لها فيما شاء{[46721]} .

أن يصرفها فهو مجاز وتوسع . وهذا القول لا يصح ، لأنه تعالى قد أخبرنا بأن من الحجارة ما يخشى ، وأنه سخر مع داود الجبال والطير يسبحن . وهذا لا يمتنع حمله{[46722]} على الحقيقة ، ولا يحسن حمله على معنى ظهور الصنعة فيها ، لأن ذلك مع غير داود مثل ما هو مع داود . وإذا لم يكن بد من حمله على الحقيقة ، حسن حمل السجود في الموات وما لا يعقل على الحقيقة أيضا .

وقيل{[46723]} : سجودها ، هو تحول ظلها حين تطلع الشمس وحين تزول{[46724]} ، فإذا تحول ظل كل شيء ، فهو سجوده .

وقال مجاهد{[46725]} : ظلال هذا كله يسجد .

وقال أبو العالية{[46726]} : ما في السماء نجم ولا شمس ولا قمر إلا يقع لله ساجدا حين يغيب ، ثم لا ينصرف حتى يؤذن له ، فيأخذ ذات اليمينز

وقوله : { وكثير من الناس } يعني : المؤمنين . { وكثير حق عليه العذاب } يعني{[46727]} ظل الكافر يسجد لله . قاله مجاهد{[46728]} ، وهو عنده{[46729]} مع هذا منقاد لله ، خاضع وهو ساجد مع ظله ، إلا سجود ظله ميلانه مع الشمس وسجوده هو انقياده وخضوعه على صحته وسقمه ورزقه ومنعه .

وقوله : ( وكثير من الناس ) . قيل{[46730]} : معناه : وكثير من الناس في الجنة بدليل قوله : ( وكثير حق عليه العذاب ) لأن الجنة ضد النار . ولو قال : ( وكثير لا يسجد ) لكان المعنى{[46731]} . وكثير من الناس . أي : وكثير من الناس يسجد .

وقيل{[46732]} : معنى : ( وكثير حق عليه العذاب ) : وكثير أبى السجود فحق عليه العذاب{[46733]} فيكون الوقف على هذا القول{[46734]} . ( وكثير من الناس ) ثم يبتدئ : ( وكثير حق عليه العذاب ) ولهذا المعنى رفع ( كثير ) . وقد{[46735]} عطف على ما عمل فيه الفعل . ولولا هذا المعنى ، لكان النصب الاختيار . كما قال : { والظالمين أعد لهم عذابا أليما }{[46736]} ( فكثير ) الثاني : مبتدأ ، وليس بمعطوف على الأول ، فإنما هو إخبار عن خلق كثير [ وجب عليه ]{[46737]} العذاب بكفره . وما قبله إخبار عن كثير من الناس يسجدون لله ، وهم المؤمنون .

[ ثم قال ]{[46738]} { ومن يهن الله فماله من مكرم }[ 18 ] .

أي : ومن يشقه الله فيهينه{[46739]} ، فما له من مكرم يكرمه بالسعادة .

{ إن الله يفعل ما يريد } يوفق من يشاء لطاعته ، ويخذل من يشاء فيكفر{[46740]} .


[46719]:قال ابن الجوزي: (وهو قول جماعة من العلماء) انظر: زاد المسير 4/453.
[46720]:أثر سقطت من ز.
[46721]:ز: يشاء.
[46722]:ز: جمله (تصحيف).
[46723]:وهو قول الطبري في جامع البيان 17/130.
[46724]:ز: زوال.
[46725]:انظر: جامع البيان 17/130.
[46726]:انظر: جامع البيان 17/130 وتفسير القرطبي 12/24 وتفسير ابن كثير 3/211.
[46727]:ز: معنى.
[46728]:انظر: جامع البيان 17/130.
[46729]:عنده سقطت من ز.
[46730]:القول: لابن عباس في تفسير القرطبي 12/24.
[46731]:ز: كان معناه.
[46732]:وهو قول الفراء في معانيه 2/219.
[46733]:وكثير أبى السجود فحق عليه العذاب ساقط من ز.
[46734]:القول سقطت من ز.
[46735]:ز: وقيل.
[46736]:الإنسان آية 31.
[46737]:من ز. ومكانها محو في ع.
[46738]:من ز. ومكانها محو في ع.
[46739]:ز: فيمقته.
[46740]:ز: فيكفره.