إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{لَّيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَدۡخُلُواْ بُيُوتًا غَيۡرَ مَسۡكُونَةٖ فِيهَا مَتَٰعٞ لَّكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تُبۡدُونَ وَمَا تَكۡتُمُونَ} (29)

{ لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ } أي بغير استئذانٍ { بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ } أي غيرَ موضوعةٍ لسكنى طائفةٍ مخصوصةٍ فقط بل ليتمتَّعَ بها من يُضطر إليها كائناً من كان من غير أنْ يتخذَها سكناً كالرُّبطِ والخَاناتِ والحوانيتِ والحمَّاماتِ ونحوِها فإنَّها معدَّةٌ لمصالح النَّاس كافَّة كما ينبئ عنه قولُه تعالى : { فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ } فإنَّه صفةٌ للبيوتِ أو استئنافٌ جارٍ مجرى التَّعليلِ لعدم الجُناح أي فيها حقُّ تمتعٍ لكم كالاستكنان من الحرِّ والبردِ وإيواءِ الأمتعةِ والرِّحالِ والشِّراءِ والبيعِ والاغتسالِ وغيرِ ذلك ممَّا يليقُ بحال البُيوت وداخليها فلا بأسَ بدخولها بغير استئذانٍ من داخليها من قبل ولا ممَّن يتولَّى أمرَها ويقومُ بتدبيرها من قوام الرِّباطاتِ والخاناتِ وأصحابِ الحوانيتِ ومتصرِّفي الحمَّاماتِ ونحوِهم . ويُروى أنَّ أبا بكر رضي الله عنه قال : يا رسولَ الله ، إنَّ الله تعالى قد أنزل عليك آيةً في الاستئذان وإنَّا نختلفُ في تجاراتِنا فننزل هذه الخاناتِ أفلا ندخلها إلاَّ بإذنٍ ؟ فنزلتْ . وقيل : هي الخَرِباتُ يُتبرَّزُ فيها والمتاع التَّبرزُ . والظَّاهر أنَّها من جُملة ما ينتظمه البيوتُ لا أنها المرادةُ فقط . وقوله تعالى : { والله يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ } وعيدٌ لمن يدخلُ مدخلاً من هذه المداخل لفسادٍ أو اطِّلاعٍ على عوراتٍ .