إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ ذَٰلِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ} (30)

{ قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ } شروعٌ في بيان أحكام كليَّة شاملة للمؤمنين كافَّة يندرج فيها حكمُ المستأذنين عند دخولِهم البيوت اندراجاً أوليًّا . وتلوينُ الخطاب وتوجيهه إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وتفويضُ ما في حيِّزِه من الأوامر والنَّواهي إلى رأيِه عليه الصَّلاة والسَّلام لأنَّها تكاليفُ متعلِّقةٌ بأمورٍ جُزئيةٍ كثيرةِ الوقوعِ حقيقةٌ بأنْ يكون الآمرُ بها والمتصدِّي لتدبيرها حافظاً ومُهيمناً عليهم . ومفعولُ الأمر أمرٌ آخرُ قد حُذف تعويلاً على دلالة جوابه عليه أي قُل لهم غُضُّواً { يَغُضُّواْ مِنْ أبصارهم } عمَّا يحرُم ويقتصروا به على ما يحلُّ { وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ } إلا على أزواجِهم أو ما ملكتْ أيمانُهم . وتقييدُ الغضِّ بمن التبعيضيَّةِ دونَ الحفظ لما في أمر النَّظر من السَّعةِ . وقيل : المرادُ بالحفظِ هاهنا خاصَّة هو السِّترُ .

{ ذلك } أي ما ذُكر من الغضِّ والحفظ { أزكى لَهُمْ } أي أطهرُ لهم من دنس الرِّيبة { إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } لا يخفى عليه شيءٌ ممَّا يصدرُ عنهم من الأفاعيلِ التي من جُملتِها إحالةُ النَّظرِ واستعمالُ سائرِ الحواس وتحريك الجوارحِ وما يقصدون بذلك فليكونوا على حذرٍ منه في كلِّ ما يأتُون وما يذرُون .