قوله : { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا } تقدم نظيره في سبحان{[36228]} .
قوله : { لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا } جوابها محذوف ، أي : لضللنا{[36229]} عن آلهتنا . قال الزمخشري : و «لولا » في مثل{[36230]} هذا الكلام جار{[36231]} من حيث المعنى لا من حيث الصيغة مجرى التقيد للحكم ( المطلق ){[36232]} {[36233]} .
قال المفسرون : إن أبا جهل كان إذا مر بأصحابه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال مستهزءاً : «أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولاً » «إنْ كَادَ » قد كاد «لَيُضِلُّنَا » أي : قد قارب أن يضلنا{[36234]} عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها أي : ( أي لو لم نصبر عليها ) {[36235]} انصرافا{[36236]} عنها ، { وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ العذاب مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً } من أخطأ طريقا$$$0010ً . ( واعلم أن الله تعالى أخبر عن المشركين أنهم متى رأوا الرسول - عليه الصلاة والسلام - أتوا بنوعين من الأفعال . أحدهما : الاستهزاء ، فيقولون : { أهذا الذي بَعَثَ الله رَسُولاً } وذلك جهل عظيم ، لأن الاستهزاء إما أن يكون بصورته أو بصفته{[36237]} والأول باطل ، لأنه - عليه الصلاة والسلام - كان أحسن منها صورة وخلقة ) {[36238]} ، وبتقدير أنه لم يكن كذلك ، لكنه - عليه الصلاة والسلام - ما كان يدعي التميز عنهم بالصورة بل بالحجة . والثاني باطل ، لأنه - عليه الصلاة والسلام - ادَّعى التميز عليهم بظهور المعجز عليه دونهم ، وأنهم ما قدروا على القدح في حجته ، ففي الحقيقة هم الذين يستحقون أن يهزأ بهم ، ثم إنهم لوقاحتهم{[36239]} قلبوا القضية ، واستهزءوا بالرسول ، وذلك يدل على ( أنه ليس للمبطل في كل الأوقات ) {[36240]} إلا السفاهة والوقاحة .
والنوع الثاني : قولهم : { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا } فَسَمُّوا ذلك ضلالاً ، وذلك يدل على أنهم كانوا مبالغين في تعظيم آلهتهم ، ويدل على جده واجتهاده في صرفهم عن عبادة الأوثان فلهذا قالوا : { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا } ، وذلك يدل على أنهم كانوا مقهورين بالحجة ، ولم يكن في أيديهم إلا مجرد ( الوقاحة ){[36241]} {[36242]} .
قوله : «من{[36243]} أضل » جملة استفهامية معلقة ب «يَعْلَمُون » فهي سادَّةٌ مسدّ مفعوليها{[36244]} إن كانت على بابها ، ومسدّ واحد إن كانت بمعنى ( عرف ){[36245]} {[36246]} . ويجوز في «من » أن تكون موصولة ، و «أَضَلَّ » خبر مبتدأ مضمر هو العائد على «من » تقديره : من هو أضل ، وإنما حذف للاستطالة{[36247]} بالتمييز ، كقولهم : ما أنا بالذي{[36248]} قائل لك سوءاً{[36249]} . وهذا ظاهر إن كانت متعدية لواحد ، وإن كانت متعدية لاثنين فيحتاج{[36250]} إلى تقدير ثان{[36251]} ولا حاجة إليه .
لما وصفوه بالإضلال في قولهم : { إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا } بين تعالى أنه سيظهر لهم{[36252]} من المضل ومن الضال{[36253]} عند مشاهدة العذاب الذي لا مخلص{[36254]} لهم منه{[36255]} ، فقال : { وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ{[36256]} العذاب مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً } ، وهذا وعيد شديد على التعامي{[36257]} والإعراض عن الاستدلال والنظر{[36258]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.