وثانيهما أنهم كانوا يقولون فيه : { إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها } وذلك يدل على أمور . الأول : أنهم سموا ذلك إضلالا ، وذلك يدل على أنهم كانوا مبالغين في تعظيم آلهتهم وفي استعظام صنيعه صلى الله عليه وسلم في صرفهم عنه ، وذلك يدل على أنهم كانوا يعتقدون أن هذا هو الحق ، فمن هذا الوجه يبطل قول أصحاب المعارف في أنه لا يكفر إلا من يعرف الدلائل لأنهم جهلوه ، ثم نسبهم الله تعالى إلى الكفر والضلال ، وقولهم : { لولا أن صبرنا عليها } يدل أيضا على ذلك . الثاني : يدل هذا القول منهم على جد الرسول عليه السلام واجتهاده في صرفهم عن عبادة الأوثان ، ولولا ذلك لما قالوا : { إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها } وهكذا كان عليه السلام فإنه في أول الأمر بالغ في إيراد الدلائل والجواب عن الشبهات وتحمل ما كانوا يفعلونه من أنواع السفاهة وسوء الأدب . الثالث : أن هذا يدل على اعتراف القوم بأنهم لم يعترضوا البتة على دلائل الرسول صلى الله عليه وسلم وما عارضوها إلا بمحض الجحود والتقليد لأن قولهم : { لولا أن صبرنا عليها } إشارة إلى الجحود والتقليد ، ولو ذكروا اعتراضا على دلائل الرسول عليه السلام لكان ذكر ذلك أولى من ذكر مجرد الجحود والإصرار الذي هو دأب الجهال ، وذلك يدل على أن القوم كانوا مقهورين تحت حجته عليه السلام ، وأنه ما كان في أيديهم إلا مجرد الوقاحة . الرابع : الآية تدل على أن القوم صاروا في ظهور حجته عليه السلام عليهم كالمجانين لأنهم استهزؤوا به أولا ، ثم وصفوه بأنه كاد يضلنا عن آلهتنا لولا أن قابلناه بالجحود والإصرار ، فهذا الكلام الأخير يدل على أن القوم سلموا له قوة الحجة وكمال العقل والكلام الأول وهو السخرية والاستهزاء لا يليق إلا بالجاهل العاجز ، فالقوم لما جمعوا بين هذين الكلامين دل ذلك على أنهم كانوا كالمتحيرين في أمره ، فتارة بالوقاحة يستهزئون منه ، وتارة يصفونه بما لا يليق إلا بالعالم الكامل ، ثم إنه سبحانه لما حكى عنهم هذا الكلام زيف طريقتهم في ذلك من ثلاثة أوجه أولها : قوله : { وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا } لأنهم لما وصفوه بالإضلال في قولهم : { إن كاد ليضلنا } بين تعالى أنه سيظهر لهم من المضل ومن الضال عند مشاهدة العذاب الذي لا مخلص لهم منه فهو وعيد شديد لهم على التعامي والإعراض عن الاستدلال والنظر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.