إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَهُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ طَهُورٗا} (48)

{ وَهُوَ الذي أَرْسَلَ الرياح } وقُرئ بالتَّوحيدِ على أنَّ المرادَ هو الجنسُ { بشرًا } تخفيفُ بُشُرٍ جمع بَشُورٍ أي مُبشِّرينَ . وقُرئ بُشْرى . وقُرئ نُشْراً بالنُّونِ جمعُ نَشُورٍ أي ناشرات للَّسَّحابِ وقرئ بالتَّخفيفِ وبفتحِ النُّونِ أيضاً على أنَّه مصدرٌ وُصف به مبالغةً . وقولُه تعالى : { بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } استعارةٌ بديعةٌ أي قُدامَ المطرِ . والالتفاتُ إلى نونِ العظمةِ في قوله تعالى : { وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاء طَهُوراً } لإبرازِ كمالِ العنايةِ بالإنزالِ لأنَّه نتيجةُ ما ذُكر من إرسالِ الرِّياحِ أي أنزلنا بعظمتِنا بما رتَّبنا من إرسالِ الرِّياح من جهةِ الفوقِ ماءً بليغاً في الطَّهارةِ ، وما قيل إنَّه ما يكون طاهراً في نفسه ومطهراً لغيرهِ فهو شرح لبلاغته في الطَّهارةِ كما ينبُئ عنه قوله تعالى : { وَيُنَزّلُ عَلَيْكُم مّن السماء مَاء لّيُطَهّرَكُمْ بِهِ } [ سورة الأنفال ، الآية11 ] فإنَّ الطَّهورَ في العربيةِ إمَّا صفةٌ كما تقول ماء طهور أو اسمٌ كما في قوله عليه الصَّلاةُ والسلامُ : ( التُّرابُ طهورُ المؤمنِ ){[594]} وقد جاء معنى الطَّهارةِ كما في قولك تطهرتُ طَهوراً حسناً كقولك وَضُوءاً حسناً ومنه قوله عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ : ( لا صلاةَ إلا بطَهورٍ ){[595]} ووصف الماءِ به إشعارٌ بتمام النِّعمةِ فيه وتتميم للنِّعمةِ فيما بعده فإنَّ الماءَ الطَّهورَ أهنأُ وأنفعُ ممَّا خالطه ما يزيل طهوريَّتَه وتنبيه على أنَّ ظواهرهم لما كانت ممَّا ينبغي أنْ يطهروها فبواطنُهم أحقُّ بذلك وأولى .


[594]:أخرجه أبو داود بلفظ (فإن التراب له طهور) في كتاب الطهارة باب (137).
[595]:ورد بلفظ "لا يقبل الله صلاة بغير طهور" وقد أخرجه البخاري في كتاب الوضوء باب (2)؛ ومسلم في كتاب الطهارة حديث رقم (1)؛ وأبو داود في كتاب الطهارة باب (31) والترمذي في كتاب الطهارة باب (1) والنسائي في كتاب الطهارة باب (103) والزكاة باب (48) وابن ماجه في كتاب الطهارة باب (2) والدارمي في كتاب الوضوء باب (21) وأحمد في مسنده 2 / 20، 39، 51، 57، 73 5 /74، 75.