إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{۞إِذۡ تُصۡعِدُونَ وَلَا تَلۡوُۥنَ عَلَىٰٓ أَحَدٖ وَٱلرَّسُولُ يَدۡعُوكُمۡ فِيٓ أُخۡرَىٰكُمۡ فَأَثَٰبَكُمۡ غَمَّۢا بِغَمّٖ لِّكَيۡلَا تَحۡزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا مَآ أَصَٰبَكُمۡۗ وَٱللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (153)

{ إِذْ تُصْعِدُونَ } متعلق بصَرَفكم أو بقوله تعالى : { لِيَبْتَلِيَكُمْ } [ آل عمران ، الآية : 152 ] أو بمقدّر كما ذكروا . والإصعادُ الذهابُ والإبعادُ في الأرض ، وقرئ بثلاثي أي في الجبل ، وقرئ تَصَعَّدون من التفعل بطرح إحدى التاءين وقرئ تصعدون من يصعدون بالالتفات إلى الغيبة { وَلاَ تَلْوُونَ على أحَدٍ } أي لا تلتفتون إلى ما وراءكم ولا يقف واحدٌ منكم لواحد ، وقرئ تلْوُنَ بواو واحدة بقلب الواوِ المضمومةِ همزةً وحذفِها تخفيفاً ، وقرئ يلوون كيصعدون { والرسول يَدْعُوكُمْ } كان عليه الصلاة والسلام يدعوهم : «إليَّ عبادَ الله أنا رسولُ الله من يكُرُّ فله الجنةُ » وإيرادُه عليه السلام بعنوان الرسالة للإيذان بأن دعوتَه عليه السلام كانت بطريق الرسالةِ من جهته سبحانه إشباعاً في توبيخ المنهزمين { في أُخْرَاكُمْ } في ساقتكم وجماعتِكم الأخرى { فأثابكم } عطفٌ على صرفَكم أي فجازاكم الله تعالى بما صنعتم { غَمّاً } موصولاً { بِغَمّ } من الاغتمام بالقتل والجرْحِ وظَفَرِ المشركين والإرجافِ بقتل الرسولِ صلى الله عليه وسلم وفوْتِ الغنيمة ، فالتنكيرُ للتكثير أو غماً بمقابلة غمَ أذَقْتموه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بعِصيانكم له { لِكَيْلاَ تَحْزَنُوا على مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أصابكم } أي لتتمرَّنوا على الصبر في الشدائد فلا تحزَنوا على نفعٍ فاتَ أو ضُرَ آتٍ ، وقيل : لا زائدة والمعنى لتتأسفوا على ما فاتكم من الظفَر والغنيمةِ وعلى ما أصابكم من الجراح والهزيمةِ عقوبةً لكم . وقيل : الضميرُ في أثابكم للرسول صلى الله عليه وسلم أي واساكم في الاغتنام فاغتمّ بما نزل عليكم كما اغتممتم بما نزل عليه ، ولم يُثرِّبْكم على عِصيانكم تسليةً لكم وتنفيساً لكم لئلا تحزنوا على ما فاتكم من النصر وما أصابكم من الجراح وغيرِ ذلك { والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } أي عالمٌ بأعمالكم وبما أردتم بها .