إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{سَنُلۡقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعۡبَ بِمَآ أَشۡرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗاۖ وَمَأۡوَىٰهُمُ ٱلنَّارُۖ وَبِئۡسَ مَثۡوَى ٱلظَّـٰلِمِينَ} (151)

{ سَنُلْقِي } بنون العظمةِ على طريقة الالتفاتِ جرياً على سَنن الكبرياءِ لتقوية المهابةِ ، وقرئ بالياء والسين لتأكيد الإلقاءِ { في قُلُوبِ الذين كَفَرُوا الرعب } بسكون العين وقرئ بضمها على الأصل وهو ما قُذف في قلوبهم من الخوف يوم أحُد حتى تركوا القتالَ ورجعوا من غير سببٍ ، ولهم القوةُ والغلبة ، وقيل : ذهبوا إلى مكةَ فلما كانوا ببعض الطريقِ قالوا : ما صنعنا شيئاً قتلنا منهم ثم تركناهم ونحن قاهرون ارجِعوا فاستأصِلوهم فعند ذلك ألقى الله تعالى في قلوبهم الرُّعْبَ فأمسكوا . فلابد من كون نزولِ الآيةِ في تضاعيف الحربِ أو عَقيب انقضائِها ، وقيل : هو ما أُلقيَ في قلوبهم من الرعب يومَ الأحزاب { بِمَا أَشْرَكُوا بالله } متعلقٌ بنُلقي دون الرعب ، وما مصدرية أي بسبب إشراكِهم به تعالى فإنه من موجبات خِذْلانِهم ونصرِ المؤمنين عليهم ، وكلاهما من دواعي الرعب { مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ } أي بإشراكه { سلطانا } أي حجةً سمِّيت به لوضوحها وإنارتها أو لقوّتها أو لحِدّتها ونفوذِها ، وذكرُ عدمِ تنزيلِها مع استحالة تحققِها في نفسها من قبيل قوله : [ السريع ]

[ لا تفزع الأرنب أهوالها *** ولا ترَى الضبَّ بها ينجحِرْ{[128]}

أي لا ضبَّ ولا انجحارَ ، وفيه إيذانٌ بأن المتَّبعَ في الباب هو البرهانُ السماويُّ دون الآراءِ والأهواءِ الباطلة . { وَمَأْوَاهُمُ } بيانٌ لأحوالهم في الآخرة إثرَ بيانِ أحوالِهم في الدنيا وهي الرعبُ أي ما يأوون إليه في الآخرة { النار } لا ملجأَ لهم غيرَها { وَبِئْسَ مثوى الظالمين } أي مثواهم وإنما وُضع موضعَه المظهرُ المذكورُ للتغليظ والتعليلِ والإشعارِ بأنهم في إشراكهم ظالمون واضعون للشيء في غير موضعِه ، والمخصوصُ بالذم محذوفٌ أي بئس مثوى الظالمين النارُ وفي جعلها مثواهم بعد جعلِها مأواهم نوعُ رمزٍ إلى خلودهم فيها فإن المثوى مكانُ الإقامةِ المنبئة عن المُكثْ وأما المأوى فهو المكانُ الذي يأوي إليه الإنسان .


[128]:وهو لابن أحمر في ديوانه ص 67 وخزانة الأدب 10/192 وبلا نسبة أيضا في خزانة الأدب 11/313 والخصائص 3/165، 321. والشاهد فيه أنه لم يرد أن بها أرانب لا تفزعها أهوالها أو ضببا غير منجرة ولكنه نفي أن يكون فيها حيوان.