إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَبۡشِرُواْ بِٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي كُنتُمۡ تُوعَدُونَ} (30)

{ إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله } شروعٌ في بيانِ حُسنِ أحوالِ المؤمنينَ في الدُّنيا والآخرةِ بعد بيانِ سوءِ حالِ الكفرةِ فيهَما ، أيُ قالُوه اعترافاً بربوبيتِه تعالَى وإقراراً بوحدانيتِه { ثُمَّ استقاموا } أي ثبتُوا على الإقرارِ ومقتضياتِه على أن ثمَّ للتراخِي في الزمانِ أو في الرتبةِ فإنَّ الاستقامةَ لها الشأنُ كلُّه ، وما رُويَ عن الخلفاءِ الراشدينَ رضي الله تعالى عنْهُم فِي معناهَا من الثباتِ على الإيمانِ وإخلاصِ العملِ وأداءِ الفرائضِ بيانٌ لجزئياتِها { تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملائكة } من جهتِه تعالَى يُمدونُهم فيما يَعِنُّ لهم من الأمورِ الدينيةِ والدنيويةِ بما يشرح صدورَهُم ويدفعُ عنهم الخوفَ والحزنَ بطريقِ الإلهامِ ، كما أن الكفرةَ يُغويهم ما قُيضَ لهم من قرناءِ السوءِ بتزيينِ القبائحِ ، وقيلَ : تتنزلُ عندَ الموتِ بالبُشرى ، وقيلَ : إذَا قامُوا من قبورِهم ، وقيلَ : البُشرى في مواطنَ ثلاثةٍ : عندَ الموتِ وفي القبرِ وعند البعثِ ، والأظهر هو العمومُ والإطلاقُ كما ستعرفُه { أَلاَّ تَخَافُواْ } ما تُقْدمونَ عليهِ ، فإن الخوفَ غمٌّ يلحقُ لتوقعِ المكروِه { وَلاَ تَحْزَنُواْ } على ما خلّفتُم ، فإنه غمٌّ يلحقُ لوقوعِه ، من فواتِ نافعٍ أو حصولِ ضارّ وقيلَ : المرادُ نهيُهم عن الغمومِ على الإطلاقِ والمَعنْى الله أن تعالى كتبَ لكُم الأمنَ من كلِّ غمَ فلنْ تذوقُوه أبداً .

وأنْ إمَّا مفسرةٌ أو مخففةٌ من الثقيلةِ والأصلُ بأنَّه لا تخافُوا ، والهاءُ ضميرُ الشأنِ . وقُرِئ لا تخافُوا ، أيْ يقولونَ لا تخافُوا على أنه حالٌ منَ الملائكةِ أو استئنافٌ { وَأَبْشِرُواْ } أي سُرُّوا { بالجنة التي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } في الدُّنيا على ألسنةِ الرُّسلِ ، هَذا منْ بشاراتِهم في أحدِ المواطنِ الثلاثةِ .