إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{يُرِيدُونَ أَن يَخۡرُجُواْ مِنَ ٱلنَّارِ وَمَا هُم بِخَٰرِجِينَ مِنۡهَاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٞ مُّقِيمٞ} (37)

{ يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُوا مِنَ النار } استئنافٌ مَسوقٌ لبيان حالهم في أثناء مكابدة العذاب مبنيٌّ على سؤالٍ نشأ مما قبله ، كأنه قيل : فكيف يكون حالُهم ؟ أو ماذا يصنعون ؟ فقيل : يريدون الخ ، وقد بين في تضاعيفه أن عذابهم عذاب النار ، قيل : إنهم يقصدون ذلك ويطلبون المخرَج فيلفَحُهم لهَبُ النار ويرفعُهم إلى فوق ، فهناك يريدون الخروج ولاتَ حين مناصٍ ، وقيل : يكادون يخرجون منها لقوة النار وزيادةِ رفعِها إياهم ، وقيل : يتمنّونه ويريدونه بقلوبهم وقوله عز وجل : { وَمَا هُم بخارجين مِنْهَا } إما حالٌ من فاعل يريدون ، أو اعتراضٌ ، وأياً ما كان فإيثارُ الجملة الاسمية على الفعلية مصدّرةً بما الحجازية الدالة بما في خبرها من الباء على تأكيد النفي لبيان كمالِ سوءِ حالهم باستمرار عدم خروجِهم منها ، فإن الجملة الاسمية الإيجابية كما تفيدُ بمعونة المقام دوامَ الثبوت تفيد السلبيةَ أيضاً بمعونةِ دوامِ النفي لا نفْيِ الدوام ، كما مر في قوله تعالى : { مَا أَنَا بِبَاسِطٍ } [ المائدة ، الآية 28 ] الخ ، وقرئ ( أن يُخرَجوا ) على بناء المفعول من الإخراج { وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ } تصريح بما أشير إليه آنفاً من عدم تناهي مدتِه بعد بيان شدتِه .