{ سمّاعون لِلْكَذِبِ } خبرٌ آخرُ للمبتدأ المقدّر كُرِّر تأكيداً لما قبله وتمهيداً لما بعده من قوله تعالى : { أكّالون لِلسُّحْتِ } وهو أيضاً خبرٌ آخرُ للمقدَّر واردٌ على طريقة الذم ، أو بناءً على أن المراد بالكذِب ما يفتعله الراشون عند الأكّالين ، والسُحْت بضم السين وسكون الحاء في الأصل كلُّ ما لا يحِلُّ كسبُه ، وقيل : هو الحرام مطلقاً من سَحَتَه إذا استأصله ، سمي به لأنه مسحوتُ البركة ، والمراد به هاهنا إما الرِّشا التي كان يأخذها المحرِّفون على تحريفهم وسائرِ أحكامِهم الزائغة ، وهو المشهور ، أو ما كان يأخذه فقراؤهم من أغنيائهم من المال ليُقيموا على اليهودية كما قيل ، وإما مطلقُ الحرام المنتظِمِ لما ذُكر انتظاماً أولياً ، وقرئ ( للسُحُت ) بضم السين والحاء وبفتحهما وبفتح السين وسكون الحاء وبكسر السين وسكون الحاء ، وعن النبي عليه الصلاة والسلام : «كلُّ لحمٍ أنبتَه السُّحْتُ فالنار أولى به » . { فَإِن جَاءوكَ } لما بيَّن تفاصيلَ أمورِهم الواهية وأحوالَهم المختلفةَ الموجبة لعدم المبالاة بهم وبأفاعيلهم حسبما أُمر به عليه الصلاة والسلام خوطب عليه الصلاة والسلام ببعض ما يُبتنى عليه من الأحكام بطريق التفريع ، والفاء فصيحة ، أي وإذا كان حالُهم كما شُرح فإن جاؤوك متحاكمين إليك فيما شجَرَ بينهم من الخصومات { فاحكم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } غيرَ مبالٍ بهم ولا خائفٍ من جهتهم أصلاً ، وهذا كما ترى تخييرٌ له عليه الصلاة والسلام بين الأمرين ، فقيل : هو في أمرٍ خاصّ هو ما ذُكر من زنا المحصَن ، وقيل : في قتيل قُتل من اليهود في بني قُريظةَ والنضيرِ ، فتحاكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بنو قريظة : إخوانُنا بنو النضير ، أبونا واحد ودينُنا واحد ، وإذا قَتَلوا منا قتيلاً لم يرضَوْا بالقَوَد وأعطَوْنا سبعين وَسْقاً من تمر ، وإذا قتلنا منهم قتلوا القاتلَ وأخذوا منا الضِّعفَ مائة وأربعين وسقاً من تمر ، وإن كان القتيلُ امرأةً قتلوا بها الرجلَ منا وبالرجل منهم الرجلين منا ، وبالعبدِ منهم الحرَّ منا ، فاقضِ بيننا . فجعل عليه الصلاة والسلام الدية سواءً ، وقيل : هو عام في جميع الحكومات ، ثم اختلفوا فمن قائل إنه ثابت وهو المرويُّ عن عطاءٍ والنَخَعيِّ والشَعْبيِّ وقَتادةَ وأبي بكرٍ الأصمِّ وأبي مسلم ، وقائلٍ إنه منسوخ وهو قول ابنِ عباس والحسن ومجاهد وعِكْرِمة ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : لم يُنسخْ من المائدة إلا آيتان : قولُه تعالى : { لاَ تُحِلُّوا شَعَائِرَ الله } [ المائدة ، الآية 2 ] نسخَها قوله تعالى : { فاقتلوا المشركين } [ التوبة ، الآية 5 ] وقوله تعالى : { فَإِن جَاءوكَ فاحكم بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ } نسخَها قوله تعالى : { وَأَنِ احكم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ الله } [ المائدة ، الآية 49 ] وعليه مشايخُنا { وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ } بيانٌ لحال الأمرين إثْرَ تخييرِه عليه الصلاة والسلام بينهما ، وتقديمُ حالِ الإعراض للمسارعة إلى بيانِ أن لا ضررَ فيه حيث كان مظِنةُ الضرر لِما أنهم كانوا لا يتحاكمون إليه عليه الصلاة والسلام إلا لطلبِ الأيسر والأهونِ عليهم ، فإذا أعرض عنهم وأبى الحكومةَ بينهم شق ذلك عليهم ، فتشتد عداوتُهم ومضارّتُهم له عليه الصلاة والسلام ، فأمَّنه الله عز وجل بقوله : { فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً } من الضرر فإن الله عاصمُك من الناس . { وَإِنْ حَكَمْتَ فاحكم بَيْنَهُم بالقسط } بالعدل الذي أُمرت به كما حكمت بالرجم { إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين } ومن ضرورته أن يحفَظَهم عن كل مكروهٍ ومحذور .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.