إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحَرِّمُواْ طَيِّبَٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ} (87)

{ يا أيها الذين آمنوا لاَ تُحَرّمُوا طيبات مَا أَحَلَّ الله لَكُمْ } أي ما طاب ولذ منه ، كأنه لمّا تضمّن ما سلف من مدح النصارى على الترهّب وترغيب المؤمنين في كسر النفس ورفض الشهوات ، عقّب ذلك بالنهي عن الإفراط في الباب ، أي لا تمنعوها أنفسكم كمنع التحريم أو لا تقولوا حرمناها على أنفسنا مبالغةً منكم في العزم على تركها تزهداً منكم وتقشفاً . وروي ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف القيامة لأصحابه يوماً فبالغ وأشبع الكلام في الإنذار فرقّوا واجتمعوا في بيت عثمانَ بنِ مظعونٍ ، واتفقوا على ألا يزالوا صائمين قائمين وألا يناموا على الفُرش ، ولا يأكلوا اللحم والودَك{[187]} ، ولا يقرَبوا النساء والطيِّب ، ويرفضوا الدنيا ويلْبَسوا المُسوح{[188]} ، ويَسيحُوا في الأرض ، ويجُبُّوا مذاكيرَهم{[189]} ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم : «إني لم أومر بذلك ، إن لأنفسكم عليكم حقاً ، فصوموا وأفطروا ، وقوموا وناموا ، فإني أقوم وأنام ، وأصوم وأُفطر ، وآكلُ اللحم والدسم ، وآتي النساء ، فمن رغِب عن سنتي فليس مني » فنزلت ) . { وَلاَ تَعْتَدُوا } أي لا تتعدوا حدود ما أحل لكم إلى ما حرم عليكم ، أو ولا تسرفوا في تناول الطيبات ، أو جَعَلَ تحريمَ الطيبات اعتداءً وظلماً ، فنهى عن مطلق الاعتداء ليدخُل تحته النهيُ عن تحريمها دخولاً أولياً لوروده عَقيبه ، أو أريدَ ولا تعتدوا بذلك { إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ المعتدين } تعليل لما قبله .


[187]:الودك: الدسم، أو دسم اللحم ودهنه الذي يستخرج منه.
[188]:المسوح: جمع مِسْح، وهو الكساء من شعر، أو ثوب الراهب.
[189]:المذاكير: جمع ذكر، وهو من الإنسان عضو التذكير.