إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{أَلَمۡ يَأۡتِهِمۡ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ قَوۡمِ نُوحٖ وَعَادٖ وَثَمُودَ وَقَوۡمِ إِبۡرَٰهِيمَ وَأَصۡحَٰبِ مَدۡيَنَ وَٱلۡمُؤۡتَفِكَٰتِۚ أَتَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِۖ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظۡلِمَهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (70)

{ أَلَمْ يَأْتِهِمْ } أي المنافقين { نَبَأُ الذين مِن قَبْلِهِمْ } أي خبرُهم الذي له شأنٌ وهو ما فعل بهم والاستفهامُ للتقرير والتحذير { قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إبراهيم وأصحاب مَدْيَنَ } وهم قومُ شعيبٍ { والمؤتفكات } قَرْياتُ قومِ لوطٍ ائتفَكَت بهم أي انقلبت بهم فصار عاليها سافلَها وأُمطروا حجارةً من سجيل وقيل : قرياتُ المكذبين بهم وائتفاكُهن انقلابُ أحوالِهن من الخير إلى الشر { أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بالبينات } استئنافٌ لبيان نبئهم { فَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ } الفاءُ للعطف على مقدر ينسحب عليه الكلامُ ويستدعيه النظامُ أي فكذبوهم فأهلكهم الله تعالى فما ظلمهم بذلك ، وإيثارُ ما عليه النظمُ الكريمُ للمبالغة في تنزيه ساحةِ السُّبحان عن الظلم ، أي ما صح وما استقام له أن يظلِمهم ولكنهم ظلموا أنفسَهم ، والجمعُ بين صيغتي الماضي والمستقبل في قوله عز وجل : { ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } للدِلالة على استمرار ظلمِهم حيث لم يزالوا يعرِّضونها للعقاب بالكفر والتكذيب ، وتقديمُ المفعول لمجرد الاهتمام به مع مراعاة الفاصلةِ من غير قصدٍ إلى قصر المظلومية عليهم على رأي من لا يرى التقديمَ موجباً للقصر فيكون كما في قوله تعالى : { وَمَا ظلمناهم ولكن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ } من غير قصر للظلم على الفاعل أو المفعول وسيجيء لهذا مزيدُ بيان في قوله سبحانه : { إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ الناس شَيْئًا ولكن الناس أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [ يونس ، الآية 44 ] .