الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَلَمۡ يَأۡتِهِمۡ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ قَوۡمِ نُوحٖ وَعَادٖ وَثَمُودَ وَقَوۡمِ إِبۡرَٰهِيمَ وَأَصۡحَٰبِ مَدۡيَنَ وَٱلۡمُؤۡتَفِكَٰتِۚ أَتَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِۖ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظۡلِمَهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (70)

قوله : { ألم ياتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود }[ 70 ] ، الآية .

والمعنى : ألم يأت هؤلاء المنافقين خبر من كان قبلهم ، من قوم نوح ، وعاد ، وثمود وشبههم ، الذين خالفوا أمر الله عز وجل ، وعصوه ، جلت عظمته ، فأهلكهم ودمرهم ، فيتعظون{[29234]} بذلك ، وينتهون ويتفكرون ما في خبر قوم نوح ، إذ غرقوا بالطوفان ، وعاد ، وهم قوم هود ، إذ هلكوا بريح صرصر عاتية ، وخبر ثمود ، وهم قوم صالح ، إذ هلكوا بالرجفة ، وخبر قوم إبراهيم ، إذ سلبوا النعمة وأهلك نمرود{[29235]} ملكهم ، وخبر أصحاب مدين ، وهم قوم شعيب ، إذ أهلكوا بعذاب يوم الظلة{[29236]} .

ويروى : أن شعيبا اسمه مدين ، على اسم المدينة ، فكان قوله : { وأصحاب مدين } ، معناه : وأصحاب شعيب .

وقوله تعالى في موضع آخر : { وإلى مدين أخاهم شعيبا }{[29237]} .

يدل على أن مدين مدينة .

وخبر المؤتفكات ، وهي مدائن قوم لوط ، إذ صيّر أعلاها أسفلها ، وإنما سموا مؤتفكات ؛ لأن أرضهم ائتفكت بهم ، أي : انقلبت بهم{[29238]} ، وهي مأخوذة من " الإفك " وهو الكذب{[29239]} ، لأنه مقلوب على الصدق ، وكانت قرى ثلاثة ، ولذلك جُمعت{[29240]} .

{ أتتهم رسلهم بالبينات }[ 70 ] .

أي : أتى كل أمة رسولها ، فجمع الرسل ؛ لأن لكل{[29241]} أمة رسولها{[29242]} .

{ بالبينات } .

أي : بالآيات الظاهرات ، والحجج النيرات ، فكذبوا وردوا وكفروا .

{ فما كان الله ليظلمهم }[ 70 ] .

أي : فما كان الله{[29243]} ليضع عقوبته في غير مستحقيها{[29244]} .

{ ولكن كانوا أنفسهم يظلمون }[ 70 ] .

إذ عصوا الله عز وجل{[29245]} ، وكذبوا برسوله حتى أسخطوا ربهم ، سبحانه ، واستوجبوا العقوبة ، بذلك أنفسهم{[29246]} .


[29234]:في الأصل: باهتة. وفي "ر" مطموسة بفعل الرطوبة والأرضة.
[29235]:في الأصل: ثمود، وهو تحريف.
[29236]:انظر: جامع البيان 14/345.
[29237]:الأعراف آية 84، وهود آية 83، والعنكبوت آية 36.
[29238]:انظر: تفسير المشكل من غريب القرآن 188، ومجاز القرآن 1/263، وجامع البيان 14/345، والمحرر الوجيز 3/57، واللسان/أفك.
[29239]:في غريب اليزيدي 165، "....ومنه الإفك، وهو الكذب؛ لأنه قلب الحديث عن وجهه".
[29240]:انظر: معاني القرآن للفراء 1/446، وجامع البيان 14/346.
[29241]:في الأصل: كل، وهو تحريف.
[29242]:انظر: مزيدا من التوضيح في جامع البيان 14/346، وتفسير القرطبي 8/129، والبحر المحيط 5/70.
[29243]:في "ر": عز وجل.
[29244]:البحر المحيط 5/70، وعزاه لمكي، وعقبه: "إذ الظلم وضع الشيء في غير موضعه". انظر: جامع البيان 14/346.
[29245]:ما بين الهلالين ساقط من "ر".
[29246]:البحر المحيط 5/70، وعزاه لمكي.