فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَلَمۡ يَأۡتِهِمۡ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ قَوۡمِ نُوحٖ وَعَادٖ وَثَمُودَ وَقَوۡمِ إِبۡرَٰهِيمَ وَأَصۡحَٰبِ مَدۡيَنَ وَٱلۡمُؤۡتَفِكَٰتِۚ أَتَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِۖ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظۡلِمَهُمۡ وَلَٰكِن كَانُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ يَظۡلِمُونَ} (70)

{ أَلَمْ يَأْتِهِمْ } أي : المنافقين { نَبَأُ الذين مِن قَبْلِهِمْ } أي : خبرهم الذي له شأن ، وهو ما فعلوه وما فعل بهم ، ولما شبه حالهم بحالهم فيما سلف عن الإجمال في المشبه بهم ، ذكر منهم ههنا ست طوائف قد سمع العرب أخبارهم ، لأن بلادهم وهي الشام قريبة من بلاد العرب ، فالاستفهام للتقرير ، وأوّلهم : قوم نوح ، وقد أهلكوا بالإغراق ، وثانيهم : قوم عاد ، وقد أهلكوا بالريح العقيم ، وثالثهم : قوم ثمود ، وقد أخذوا بالصيحة ، ورابعهم : قوم إبراهيم ، وقد سلط الله عليهم البعوض ، وخامسهم : أصحاب مدين ، وهم قوم شعيب ، وقد أخذتهم الرجفة ، وسادسهم : أصحاب المؤتفكات ، وهي قرى قوم لوط ، وقد أهلكهم الله بما أمطر عليهم من الحجارة ؛ وسميت مؤتفكات ؛ لأنها انقلبت بهم حتى صار عاليها سافلها ، والائتفاك : الانقلاب { أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بالبينات } أي : رسل هذه الطوائف الست . وقيل : رسل أصحاب المؤتفكات ؛ لأن رسولهم لوط وقد بعث إلى كل قرية من قراهم رسولاً ، والفاء في { فَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ } للعطف على مقدّر يدل عليه الكلام : أي فكذبوهم ، فأهلكهم الله فما ظلمهم بذلك ؛ لأنه قد بعث إليهم رسله فأنذروهم وحذروهم { ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } بسبب ما فعلوه من الكفر بالله ، وعدم الانقياد لأنبيائه ، وهذا التركيب يدل على أن ظلمهم لأنفسهم كان مستمراً .

/خ70