الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{إِنَّ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ ٱلۡيَوۡمَ فِي شُغُلٖ فَٰكِهُونَ} (55)

{ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ اليَوْمَ فِي شُغُلٍ } ، قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وشيبة بجزم الغين ، واختاره أبو حاتم ، وقرأ الآخرون : بضم الغين ، واختاره أبو عبيد ، وهما لغتان مثل السُّحْت والسُّحُت ونحوهما .

واختلف المفسرون في معنى الشغل . فأخبرنا محمد بن حمدون قال : أخبرنا مكي بن عبدان قال : حدّثنا أبو الأزهر قال : حدّثنا أسباط بن محمد عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس في قول الله تعالى : { إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ اليَوْمَ فِي شُغُلٍ } قال : افتضاض الأبكار .

وأخبرني فنجويه قال : حدّثنا عبد الله بن يوسف قال : حدّثنا أحمد بن الوليد الشطوي قال : حدّثنا محمد بن موسى قال : حدّثنا معلى بن عبد الرَّحْمن قال : حدّثنا شريك عن عاصم الأحول عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنّ أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عادوا أبكاراً " .

وقال الكلبي والثمالي والمسيب : يعني في شُغل عن أهل النار وعما هم فيه ، لا يهمهم أمرهم ولا يذكرونهم ، وقال وكيع بن الجراح : يعني في السماع ، سئل يحيى بن معاذ : أي الأصوات أحسن ؟ قال : مزامير أُنس في مقاصير قدس بألحان تجميل في رياض تمجيد في مقعد صدق عند مليك مقتدر .

وقال ابن كيسان : يعني في زيارة بعضهم بعضاً ، وقيل : في ضيافة الله وقيل : في شغلهم بعشرة أشياء : ملك لا عزل معه ، وشباب لا هرم معه ، وصحة لا سقم معها ، وعزّ لا ذل معه ، وراحة لا شدة معها ، ونعمة لا محنة معها ، وبقاء لا فناء معه ، وحياة لا موت معها ، ورضا لا سخط معه ، وأُنس لا وحشة معه .

وقيل : شغلهم في الجنة بسبعة أنواع من الثواب لسبعة أعضاء : فأما ثواب الرِجل فقوله

{ ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينََ } [ الحجر : 46 ] ، وثواب اليد قوله :

{ يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً } [ الطور : 23 ] ، وثواب الفرج قوله :

{ وَحُورٌ عِينٌ } [ الواقعة : 22 ] ، وثواب البطن قوله :

{ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ هَنِيئَاً } [ الطور : 19 ] الآية ، وثواب اللسان قوله :

{ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [ يونس : 10 ] وثواب الأُذن قوله :

{ لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً * إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً } [ الواقعة : 25 - 26 ] ، وثواب العين قوله :

{ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ } [ الزخرف : 71 ] .

قال طاووس : لو علم أهل الجنة عمّن شغلوا ما هنّأهم ما اشتغلوا به ، وسئل بعض الحكماء عن قوله ( عليه السلام ) : " أكثر أهل الجنة البله " قال : لأنهم في شغل بالنعيم عن المنعم ، ثم قال : من رضي بالجنة عن الله فهو أبله .

{ فَاكِهُونَ } قرأ العامة : بالألف ، وقرأ أبو جعفر ( فكهون وفكهين )بغير ألف حيث كانا ، وهما لغتان : كالحاذر والحذر والفارهِ والفرهِ ، وقال الكسائي : الفاكه والفاكهة مثل شاحم ولاحم ولابن وتامر ، واختلف العلماء في معناهما ، فقال ابن عباس : فرحون . مجاهد والضحاك : معجبون . السدي : ناعمون .