السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ ٱلۡيَوۡمَ فِي شُغُلٖ فَٰكِهُونَ} (55)

ثم بين تعالى حال المحسن بقوله تعالى : { إن أصحاب الجنة } أي : الذين لا حظ للنار فيهم { اليوم } أي : يوم البعث وهذا يدل على أنه يعجل دخولهم ودخول بعضهم إليها ووقوف الباقين للشفاعات ونحوها من الكرامات عند دخول أهل النار النار ، وعبر بما يدل على أنهم بكلياتهم مقبلون عليه ومطرقون له مع توجههم إليه بقوله { في شغل } أي : عظيم جداً لا تبلغ وصفه العقول كما كانوا في الدنيا في أشغل الشغل بالمجاهدات في الطاعات .

وقرأ ابن عامر والكوفيون بضم الغين ، والباقون بالإسكان ثم بين ذلك الشغل بقوله { فاكهون } أي : متلذذون في النعمة ، واختلف في هذا الشغل فقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : في افتضاض الإبكار ، وقال وكيع بن الجراح رضي الله عنهما : في السماع ، وقال الكلبي : في شغل عن أهل النار وما هم فيه لا يهمهم أمرهم ولا يذكرونهم ، وقال ابن كيسان : في زيارة بعضهم بعضاً ، وقيل : في ضيافة الله تعالى فاكهون ، وقيل : في شغل عن هول اليوم يأخذون ما آتاهم الله تعالى من الثواب فما عندهم خبر من عذاب ولا حساب .

وقوله تعالى { فاكهون } متمم لبيان سلامتهم فإنه لو قال : في شغل جاز أن يقال : هم في شغل أعظم من التفكر في اليوم وأهواله فإن من تصيبه فتنة عظيمة ثم يعرض عليه أمر من أموره أو يخبر بخسران وقع في ماله يقول : أنا مشغول عن هذا بأهم منه فقال : فاكهون أي : شغلوا عنه باللذة والسرور لا بالويل والثبور ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : فاكهون : فرحون .