اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{إِنَّ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ ٱلۡيَوۡمَ فِي شُغُلٖ فَٰكِهُونَ} (55)

ثم بيّن حال المحسن{[46404]} فقال : { إِنَّ أَصْحَابَ الجنة اليوم فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ } فقوله : { فِي شُغُلٍ } يجوز أن يكون خبراً ل «إنّ » و «فَاكِهُونَ » خبر ثانٍ وأن يكون «فاكهون » هو الخبر و «فِي شُغُلٍ » يتعلق به{[46405]} ، وأن يكون{[46406]} حالاً ، وقرأ الكوفيون وابنُ عامر «شُغُل » بضمتين . والباقون بضم وسكون{[46407]} . وهما لغتان للحجازيين قاله الفراء{[46408]} ، ومجاهدٌ وأبو السَّمَّال بفتحتين{[46409]} . ويزيد النحويّ وابنُ هُبَيْرَة{[46410]} بفتح وسكون . وهما ( لغتان ) أيضاً . والعامة على رفع «فاكهون » على ما تقدم . والأعمشُ وطلحةُ «فاكهينَ »{[46411]} نصباً على الحال ، والجار الخبر . والعامة أيضاً على فاكهين{[46412]} بالألف بمعنى أصحاب فاكهة كلابن وتامر ولاحم{[46413]} ، والحسن وأبو جعفر وأبو حَيْوَة وأبو رجاء وشيبة وقتادة ومجاهد «فكهون » بغير{[46414]} ألف بمعنى طربون فرحون من الفُكَاهِةِ بالضم . وقيل : الفاكِهُ{[46415]} والفكه بمعنى المتلذذ والمتنعم لأن كلاًّ من الفاكهة والفكاهة مما يُتَلَذَّذُ بِهِ ويتنعم كحاذر وحذر{[46416]} ، وقرئ «فَكِهِينَ »{[46417]} بالقصر والياء على ما تقدم . وفَكهُونَ بالقصر وضم الكاف ، يقال : رجل فَكِه وفكُه كرجل ندِس وندُس وحَذِر وحذُر{[46418]} .

فصل

اختلفوا في الشغل فقال ابن عباس : في افتضاض الأبكار ، وقال وكيع بن الجراح : في السماع . وقال الكلبي : في شغل عن أهل النار وما هم فيه لا يهمهم أمرهم ولا يذكرونهم . وقال ابن كيسان{[46419]} : في زيارة بعضهم بعضاً .

وقيل : في ضيافةِ الله فاكهون . وقيل : في شغل عن هَوْلِ اليوم بأخذ ما آتاهم الله من الثواب فما عندهم خير من عذاب ولا حساب{[46420]} . وقوله «فَاكِهُونَ » متمّمٌ لبيان سلامتهم فإنه لو قال : في شُغُل جاز أن يقال هم في شغل أعظم من التذكر في اليوم وأهواله فإن من يصيبه فتنة عظيمة ثم يعرض عليه أمر من أموره أو يخبر بخُسْران وقع في ماله يقول أنا مشغول عن هذا بأهمَّ منه فقال : فاكهونَ أي شغلوا عنه باللّذة والسُّرُور لا بالوَيْلِ والثُّبُور . وقال ابن عباس : فاكهون فَرِحُونَ{[46421]} .


[46404]:السابق.
[46405]:التبيان 1084 والبيان 2/298 والدر المصون 4/525.
[46406]:الضمير على ما ذكر أبو البقاء في إعرابه يعود على "فاكهون". التبيان 1084 فتكون فكهين كما سيأتي. والظاهر أنه يعود على "شغل". السمين 4/525. والخبر فاكهون خبر إن.
[46407]:من المتواتر. انظر: الإتحاف 365 والتبيان 1084 وإعراب النحاس 4/401.
[46408]:نقله عنه السمين المرجع السابق ولم أعثر عليه في المعاني.
[46409]:من الشواذ انظر: مختصر ابن خالويه 125 والكشاف 3/327.
[46410]:هو أحد وزراء بني العباس قرأ بالروايات على مسعود الحلي ثم على البطحائي. انظره في غاية النهاية لابن الجزري 2/295 أقول: وقد نسب ابن خالويه في شواذه هذه القراءة إلى أبي هريرة رضي الله عنه انظر: المختصر 125 والكشاف 3/327 والتبيان 1084 وأجاز هذه القراءات الزجاج لغويا فقال: "ويقرأ: شُغُل وشُغْل وشَغَل وشَغْل يجوز في العربية". المعاني 4/291.
[46411]:معاني الفراء 2/380 ومختصر ابن خالويه 127 والتبيان 1084 والقرطبي 15/44.
[46412]:هي وما قبلها بالواو في ب. والواو جائزة في الأخيرة على الحكاية. أما الأولى فلحن ظاهر غير مراد لأن النصب هو المراد.
[46413]:أي صاحب لبن وتمر ولحم.
[46414]:المختصر السابق ومعاني الفراء 2/380 وأوردها الزمخشري في الكشاف "فكهين" نصبا بالياء بدون ألف.
[46415]:في ب الفاكهة. لحن.
[46416]:وانظر: البحر 7/342 والسمين 4/526 والكشاف 3/327 واللسان (ف ك هـ) 3453 و 3454.
[46417]:البحر والكشاف المرجعان السابقان.
[46418]:المراجع السابقة.
[46419]:هو عبد الرحمن بن كيسان المفسر له آراء في التفسير كثيرة وليس بابن كيسان النحوي المعروف انظر: طبقات المفسرين للسيوطي.
[46420]:انظر: زاد المسير 7/28 والبغوي 6/12.
[46421]:الرازي 26/91.