البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{إِنَّ أَصۡحَٰبَ ٱلۡجَنَّةِ ٱلۡيَوۡمَ فِي شُغُلٖ فَٰكِهُونَ} (55)

لما ذكر تعالى أهوال يوم القيامة ، أعقب ذلك بحال السعداء والأشقياء .

والظاهر أنه إخبار لنا بما يكونون فيه إذا صاروا إلى ما أعد لهم من الثواب والعقاب .

وقيل : هو حكاية ما يقال في ذلك اليوم ، وفي مثل هذه الحكاية زيادة تصوير للموعود له في النفوس ، وترغيب إلى الحرص عليه وفيما يثمره ؛ والظاهر أن الشغل هو النعيم الذي قد شغلهم عن كل ما يخطر بالبال .

وقال قريباً منه مجاهد ، وبعضهم خص هذا الشغل بافتضاض الأبكار ، قاله ابن عباس ؛ وعنه أيضاً : سماع الأوتار .

وعن الحسن : شغلوا عن ما فيه أهل النار .

وعن الكلبي : عن أهاليهم من أهل النار ، لا يذكرونهم لئلا يتنغصوا .

وعن ابن كيسان : الشغل : التزاور .

وقيل : ضيافة الله ، وأفرد الشغل ملحوظاً فيه النعيم ، وهو واحد من حيث هو نعيم .

وقرأ الحرميان ، وأبو عمرو : بضم الشين وسكون الغين ؛ وباقي السبعة بضمها ؛ ومجاهد ، وأبو السمال ، وابن هبيرة فيما نقل ابن خالويه عنه : بفتحتين ؛ ويزيد النحوي ، وابن هبيرة ، فيما نقل أبو الفضل الرازي : بفتح الشين وإسكان الغين .

وقرأ الجمهور : { فاكهون } ، بالألف ؛ والحسن ، وأبو جعفر ، وقتادة ، وأبو حيوة ، ومجاهد ، وشيبة ، وأبو رجاء ، ويحيى بن صبيح ، ونافع في رواية : بغير ألف ؛ وطلحة ، والأعمش : فاكهين ، بالألف وبالياء نصباً على الحال ، وفي شغل هو الخبر .

فبالألف أصحاب فاكهة ، كما يقال لابن وتامر وشاحم ولاحم ، وبغير ألف معناه : فرحون طربون ، مأخوذ من الفكاهة وهي المزحة ، وقرىء : فكهين ، بغير ألف وبالياء .

وقرىء : فكهون ، بضم الكاف .

يقال : رجل فكه وفكه ، نحو : يدس ويدس .

ويجوز في هم أن يكون مبتدأ ، وخبره في ظلال ، ومتكئون خبر ثان ، أو خبره متكئون ، وفي ظلال متعلق به ، أو يكون تأكيداً للضمير المستكن في فاكهون ، وفي ظلال حال ، ومتكئون خبر ثان لأن ، أو يكون تأكيداً للضمير المستكن في شغل ، المنتقل إليه من العامل فيه .