جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمۡ وَجَعَلۡنَا فِيهَا فِجَاجٗا سُبُلٗا لَّعَلَّهُمۡ يَهۡتَدُونَ} (31)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَجَعَلْنَا فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلاً لّعَلّهُمْ يَهْتَدُونَ } .

يقول تعالى ذكره : أو لم ير هؤلاء الكفار أيضا من حججنا عليهم وعلى جميع خلقنا ، أنا جعلنا في الأرض جبالاً راسية ؟ والرواسي : جمع راسية ، وهي الثابتة كما :

حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قَتادة ، قوله : وَجَعَلْنا فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أي جبالاً .

وقوله : أنْ تَمِيدَ بِهِمْ يقول : أن لا تتكفأ بهم . يقول جلّ ثناؤه : فجعلنا في هذه الأرض هذه الرواسي من الجبال ، فثبتناها لئلا تتكفأ بالناس ، وليقدروا بالثبات على ظهرها . كما :

حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كانوا على الأرضِ تمور بهم لا تستقرّ ، فأصبحوا وقد جعل الله الجبال وهي الرواسي أوتادا للأرض وجَعَلْنَا فيها فِجَاجا سُبُلاً يعني مسالك ، واحدها فجّ . كما :

حدثنا بِشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَجَعَلْنا فِيها فِجاجا : أي أعلاما . وقوله : سُبُلاً أي طرقا ، وهي جمع السبيل .

وكان ابن عباس فيما ذَكر عنه يقول : إنما عنى بقوله : وَجَعَلْنا فِيها فِجاجا وجعلنا في الرواسي ، فالهاء والألف في قوله : وَجَعَلْنا فِيها من ذكر الرواسي .

حدثنا بذلك القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قال ابن عباس ، قوله : وَجَعَلْنا فِيها فِجاجا سبلاً ، قال : بين الجبال .

وإنما اخترنا القول الاَخر في ذلك وجعلنا الهاء والألف من ذكر الأرض ، لأنها إذا كانت من ذكرها دخل في ذلك السهل والجبل وذلك أن ذلك كله من الأرض ، وقد جعل الله لخلقه في ذلك كله فجاجا سبلاً . ولا دلالة تدلّ على أنه عنى بذلك فجاج بعض الأرض التي جعلها لهم سبلاً دون بعض ، فالعموم بها أولى .

وقوله : لَعَلّهُمْ يَهْتَدُونَ يقول تعالى ذكره : جعلنا هذه الفجاج في الأرض ليهتدوا إلى السير فيها .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمۡ وَجَعَلۡنَا فِيهَا فِجَاجٗا سُبُلٗا لَّعَلَّهُمۡ يَهۡتَدُونَ} (31)

هذا من آثار فتق الأرض في حد ذاتها إذْ أخرج الله منها الجبال وذلك فتق تكوين ، وجعل فيها الطّرق ، أي الأرضين السهلة التي يتمكن الإنسان من المشي فيها عكس الجبال .

والرواسي : الجبال ، لأنها رست في الأرض ، أي رسخت فيها .

والميْد : الاضطراب . وقد تقدم في أول سورة النحل .

وتقدم في أول سورة النحل أن معنى { أن تَميد } أن لا تميد ، أو لكراهة أن تميد . والمعنى : وجعلنا في الأرض فجاجاً . ولما كان { فجاجاً } معناه واسعة كان في المعنى وصفاً للسبيل ، فلما قُدم على موصوفه انتصب على الحال . والمقصود إتمام المنة بتسخير سطح الأرض ليسلكوا منها طرقاً واسعة ولو شاء لجعل مسالك ضيقة بين الجبال كأنها الأودية .

والفجاج : جمع فَجّ . والفج : الطريق الواسع .

والسُبُل : جمع سبيل ، وهو : الطريق مطلقاً .

وجملة { لعلهم يهتدون } مستأنفة إنشاء رجاءِ اهتداء المشركين إلى وحدانية الله فإن هذه الدلائل مشاهدة لهم واضحة الدلالة . ويجوز أن يراد بالاهتداء الاهتداء في السير ، أي جعلنا سبلاً واضحة غير محجوبة بالضيق إرادة اهتدائهم في سيرهم ، فتكون هذه منة أخرى وهو تدبير الله الأشياء على نحو ما يلائم الإنسان ويصلح أحواله .

فقوله تعالى { لعلهم يهتدون } من الكلام الموجه .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَجَعَلۡنَا فِي ٱلۡأَرۡضِ رَوَٰسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمۡ وَجَعَلۡنَا فِيهَا فِجَاجٗا سُبُلٗا لَّعَلَّهُمۡ يَهۡتَدُونَ} (31)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وجعلنا في الأرض رواسي} يعني الجبال أرسيت في الأرض، فأُثبِتت الأرض بالجبال {أن تميد بهم} لئلا تزول الأرض بهم {وجعلنا فيها} يعني في الجبال {فجاجا} يعنى كل شعب في جبل فيه منفذ {سبلا} يعني: طرقا {لعلهم يهتدون}، يقول: لكي يعرفوا طرقها.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: أو لم ير هؤلاء الكفار أيضا من حججنا عليهم وعلى جميع خلقنا، أنا جعلنا في الأرض جبالاً راسية؟ والرواسي: جمع راسية، وهي الثابتة...

وقوله:"أنْ تَمِيدَ بِهِمْ" يقول: أن لا تتكفأ بهم. يقول جلّ ثناؤه: فجعلنا في هذه الأرض هذه الرواسي من الجبال، فثبتناها لئلا تتكفأ بالناس، وليقدروا بالثبات على ظهرها...

"وجَعَلْنَا فيها فِجَاجا سُبُلاً "يعني مسالك، واحدها فجّ... عن قتادة، قوله: "وَجَعَلْنا فِيها فِجاجا": أي أعلاما. وقوله: "سُبُلاً" أي: طرقا، وهي جمع السبيل.

وكان ابن عباس فيما ذكر عنه يقول: إنما عنى بقوله: "وَجَعَلْنا فِيها فِجاجا" وجعلنا في الرواسي، فالهاء والألف في قوله: "وَجَعَلْنا فِيها" من ذكر الرواسي... قوله: "وَجَعَلْنا فِيها فِجاجا سبلاً"، قال: بين الجبال.

وإنما اخترنا القول الآخر في ذلك وجعلنا الهاء والألف من ذكر الأرض، لأنها إذا كانت من ذكرها دخل في ذلك السهل والجبل، وذلك أن ذلك كله من الأرض، وقد جعل الله لخلقه في ذلك كله فجاجا سبلاً. ولا دلالة تدلّ على أنه عنى بذلك فجاج بعض الأرض التي جعلها لهم سبلاً دون بعض، فالعموم بها أولى.

وقوله: "لَعَلّهُمْ يَهْتَدُونَ" يقول تعالى ذكره: جعلنا هذه الفجاج في الأرض ليهتدوا إلى السير فيها.

النكت و العيون للماوردي 450 هـ :

... لأن الأرض بها رست وثبتت...

الميد الاضطراب...

الفجاج جمع فج وهو الطريق الواسع بين جبلين...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

«الرواسي» جمع راسية أي ثابتة يقال رسا يرسو إذا ثبت واستقر ولا يستعمل إلا في الأجرام الكبار كالجبال والسفينة ونحوه.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

ولما كان من القدرة الباهرة ثبات الأرض من غير حركة، وكان الماء أدل دليل على ثباتها، وكانت الأرض أقرب في الذكر من السماء، أتبع ذلك قوله: {وجعلنا} بما لنا من العظمة {في الأرض} جبالاً {رواسي} أي ثوابت، كراهة {أن تميد بهم} وتضطرب فتهلك المياه كل شيء حي فيعود نفعها ضراً وخيرها شراً.

ولما كان المراد من المراسي الشدة والحزونة لتقوى على الثبات والتثبيت، وكان ذلك مقتضياً لإبعادها وحفظها عن الذلة و الليونة، بين أنه أخرق فيها العادة ليعلم أنه قادر مختار لكل ما يريد فقال: {وجعلنا} بما لنا من القدرة الباهرة والحكمة البالغة {فيها} أي الجبال مع حزونتها {فجاجاً} أي مسالك واسعة سهلة؛ ثم أبدل منها قوله: {سبلاً} أي مذللة للسلوك، ولولا ذلك لتعسر أو تعذر الوصول إلى بعض البلاد {لعلهم يهتدون} إلى منافعهم في ديارهم وغيرها، وإلى ما فيها من دلائل الوحدانية وغيرها فيعلموا أن وجودها لو كان بالطبيعة كانت على نمط واحد مساوية للأرض متساوية في الوصف، وأن كونها على غير ذلك دال على أن صانعها قادر مختار متفرد بأوصاف الكمال.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

ومن الأدلة على قدرته وكماله ووحدانيته ورحمته، أنه لما كانت الأرض لا تستقر إلا بالجبال، أرساها بها وأوتدها، لئلا تميد بالعباد، أي: لئلا تضطرب، فلا يتمكن العباد من السكون فيها، ولا حرثها، ولا الاستقرار بها، فأرساها بالجبال، فحصل بسبب ذلك، من المصالح والمنافع، ما حصل، ولما كانت الجبال المتصل بعضها ببعض، قد تتصل اتصالا كثيرا جدا، فلو بقيت بحالها، جبالا شامخات، وقللا باذخات، لتعطل الاتصال بين كثير من البلدان. فمن حكمة الله ورحمته، أن جعل بين تلك الجبال فجاجا سبلا، أي: طرقا سهلة لا حزنة، لعلهم يهتدون إلى الوصول، إلى مطالبهم من البلدان، ولعلهم يهتدون بالاستدلال بذلك على وحدانية المنان...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

فيقرر أن هذه الجبال الرواسي تحفظ توازن الأرض فلا تميد بهم ولا تضطرب. وحفظ التوازن يتحقق في صور شتى. فقد يكون توازنا بين الضغط الخارجي على الأرض والضغط الداخلي في جوفها، وهو يختلف من بقعة إلى بقعة: وقد يكون بروز الجبال في موضع معادلا لانخفاض الأرض في موضع آخر.. وعلى أية حال فهذا النص يثبت أن للجبال علاقة بتوازن الأرض واستقرارها. فلنترك للبحوث العلمية كشف الطريقة التي يتم بها هذا التوازن فذلك مجالها الأصيل. ولنكتف من النص القرآني الصادق باللمسة الوجدانية والتأمل الموحي، وبتتبع يد القدرة المبدعة المدبرة لهذا الكون الكبير...

زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :

والجعل خلق لأمر موصوف بوصف معين، والخلق مجرد الإنشاء، أما الجعل فهو خلق لأمر أراده الله تعالى في التكوين، وهو أن يكون لأمر نافع للعباد، كما قال تعالى: {وجعلنا الليل والنهار آيتين} (الإسراء 12)...

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

{لعلهم يهتدون} والهداية هنا تحتمل معنيين: يهتدون لخالقها ومكونها، ويستدلون بها على الصانع المبدع سبحانه، أو يهتدون إلى البلاد والأماكن والاتجاهات...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

وأشارت الآية التالية إلى جانب آخر من آيات التوحيد ونعم الله الكبيرة، فقالت: (وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم) وقلنا فيما مضى: إنّ الجبال كالدرع الذي يحمي الأرض، وهذا هو الذي يمنع إلى حدّ كبير من الزلازل الأرضيّة الشديدة التي تحدث نتيجة ضغط الغازات الداخلية. إضافةً إلى أنّ وضع الجبال هذا يقلّل من حركات القشرة الأرضيّة أمام ظاهرة المدّ والجزر الناشئة بواسطة القمر إلى الحدّ الأدنى. ومن جهة أُخرى فلولا الجبال، فإنّ سطح الأرض سيكون معرّضاً للرياح القويّة دائماً، وسوف لا تستقرّ على حال أبداً، كما هي حال الصحاري المقفرة المحرقة.