وقوله : { فِي عَمَدٍ مُمَدّدَةٍ } اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة : ( فِي عَمَدٍ ) بفتح العين والميم ، وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة : «فِي عُمُدٍ » بضم العين والميم . والقول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء ، ولغتان صحيحتان . والعرب تجمع العمود : عُمُدا وعَمَدا ، بضم الحرفين وفتحهما ، وكذلك تفعل في جمع إهاب ، تجمعه : أُهُبا ، بضم الألف والهاء ، وأَهَبا بفتحهما ، وكذلك القضم ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب .
واختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : إنها عليهم مُؤصدة بعمد ممدّدة : أي مغلقة مطبقة عليهم ، وكذلك هو في قراءة عبد الله فيما بلغنا .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن قتادة ، في قراءة عبد الله : «إنّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ بِعَمَدٍ مُمَدّدَةٍ » .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنما دخلوا في عمد ، ثم مدّت عليهم تلك العمد بعماد . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس { فِي عَمَدٍ مُمَدّدَةٍ } قال : أدخلهم في عمد ، فمدّت عليهم بعماد ، وفي أعناقهم السلاسل ، فسُدّت بها الأبواب .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : فِي عَمَدٍ من حديد مغلولين فيها ، وتلك العمد من نار قد احترقت من النار ، فهي من نار مُمَدّدةٍ لهم .
وقال آخرون : هي عَمَد يعذّبون بها . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة { فِي عَمَدٍ مُمَدّدَةٍ } كنا نحدّث أنها عمد يعذّبون بها في النار ، قال بشر : قال يزيد : في قراءة قتادة : عَمَدٍ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مِهْران ، عن سعيد ، عن قتادة { فِي عَمَدٍ مُمَدّدَةٍ } قال : عمود يعذّبون به في النار .
وأولى الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال : معناه أنهم يعذّبون بعمد في النار ، والله أعلم كيف تعذيبه إياهم بها ، ولم يأتنا خبر تقوم به الحجة بصفة تعذيبهم بها ، ولا وُضِعَ لنا عليها دليل ، فندرك به صفة ذلك ، فلا قول فيه ، غير الذي قلنا يصحّ عندنا ، والله أعلم .
وقوله : { في عمد ممددة } حال : إما من ضمير { عليهم } أي في حال كونهم في عَمَد ، أي موثوقين في عمد كما يوثق المسجون المغلظ عليه من رجليه في فَلْقَة ذاتِ ثَقب يدخل في رجله أو في عنقه كالقرام . وإمّا حال من ضمير { إنها } ، أي أن النار الموقدة في عمد ، أي متوسطة عَمداً كما تكون نار الشواء إذ توضع عَمَد وتجعل النار تحتها تمثيلاً لأهلها بالشواء .
و { عمد } قرأه الجمهور بفتحتين على أنه اسم جمع عمود مثل : أديم وأدم . وقرأه حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وخلف « عُمَد » بضمتين وهو جمع عمود ، والعمود : خشبة غليظة مستطيلة .
والممدَّدة : المجعولة طويلة جدّاً ، وهو اسم مفعول من مدده ، إذا بالغ في مده ، أي الزيادة فيه .
وكل هذه الأوصاف تقوية لتمثيل شدة الإِغلاظ عليهم بأقصى ما يبلغه متعارف الناس من الأحوال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.