جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَإِنِّي خِفۡتُ ٱلۡمَوَٰلِيَ مِن وَرَآءِي وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا فَهَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا} (5)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَإِنّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَآئِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لّدُنْكَ وَلِيّاً * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبّ رَضِيّاً } .

يقول : وإني خفت بني عمي وعصبتي من ورائي . يقول : من بعدي أن يرثوني ، وقيل : عنى بقوله مِنْ وَرَائي من قدّامي ومن بين يديّ وقد بيّنت جواز ذلك فيما مضى قبل . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وإنّي خِفْتُ المَوَالِيَ مِنْ وَرَائي يعني بالموالي : الكَلالة الأولياء أن يرثوه ، فوهب الله له يحيى .

حدثنا يحيى بن داود الواسطي ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح في قوله : وإنّي خِفْتُ المَوَالِيَ مِنْ وَرَائي قال : العصبة .

حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا جابر بن نوح ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح في قوله وإنّي خِفْتُ المَوَالِيَ مِنْ وَرَائي قال : خاف مواليَ الكلالة .

حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : حدثنا يزيد ، قال : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح بنحوه .

حدثني يعقوب ، قال : حدثنا هشيم ، قال : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح وإنّي خِفْتُ المَوَالِيَ مِنْ وَرَائي قال : يعني الكلالة .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : خِفْتُ المَوَالِيَ مِنْ وَرَائي قال : العَصَبة .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قوله : وإنّي خِفْتُ المَوَالِيَ مِنْ وَرَائي قال : العصبة .

حدثني موسى ، قال : حدثنا عمرو ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ وإنّي خِفْتُ المَوَالِيَ مِنْ وَرَائي والموالي : هنّ العصبة ، والموالي : جمع مولى ، والمولى والوليّ في كلام العرب واحد .

وقرأت قراء الأمصار : وإنّي خِفْتُ المَوَالِيَ بمعنى : الخوف الذي هو خلاف الأمن . وروي عن عثمان بن عفان أنه قرأه : «وإنّي خَفّتِ المَوَاليَ » بتشديد الفاء وفتح الخاء من الخفة ، كأنه وجه تأويل الكلام : وإني ذهبت عصبتي ومن يرثني من بني أعمامي . وإذا قرىء ذلك كذلك كانت الياء من الموالي مسكنة غير متحركة ، لأنها تكون في موضع رفع بخفّتْ .

وقوله : وكانَتِ امْرأتي عاقِرا يقول : وكانت زوجتي لا تلد ، يقال منه : رجل عاقر ، وامرأة عاقر بلفظ واحد ، كما قال الشاعر :

لَبِئْسَ الفَتى أنْ كُنْتُ أعْوَرَ عاقِرا *** جَبانا فَمَا عُذْرِي لَدَى كُلّ مَحْضَرِ

وقوله : فَهَبْ لي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّا يقول : فارزقني من عندك ولدا وارثا ومعينا ) .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَإِنِّي خِفۡتُ ٱلۡمَوَٰلِيَ مِن وَرَآءِي وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا فَهَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا} (5)

جملة { وإني خفت الموالي من ورائي } عطف على جملة { واشتعل الرأس شيباً ، } أي قاربت الوفاة وخفت الموالي من بعدي . وما روي عن ابن عباس ، ومجاهد ، وقتادة ، وأبي صالح عن النبيء صلى الله عليه وسلم مرسلاً أنه قال : " يرحم الله زكرياء ما كان عليه من وراثة ماله " فلعلّه خشي سوء معرفتهم بما يخلّفه من الآثار الدينية والعلمية . وتلك أعلاق يعزّ على المؤمن تلاشيها ، ولذلك قال : { يرثني ويرث من آل يعقوب } فإن نُفوس الأنبياء لا تطمح إلا لمعالي الأمور ومصالح الدين وما سوى ذلك فهو تبع .