القول في تأويل قوله تعالى : { لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مّنْكُمْ نُعَذّبْ طَآئِفَةً بِأَنّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهؤلاء الذين وصفت لك صفتهم : لا تَعْتَذِرُوا بالباطل ، فتقولوا كنا نخوض ونلعب . قَدْ كَفَرْتُمْ يقول : قد جحدتم الحقّ بقولكم ما قلتم في رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين به بَعْدَ إيمَانِكُمْ يقول : بعد تصديقكم به وإقراركم به . إنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذّبْ طائِفَةً وذُكر أنه عنى بالطائفة في هذا الموضع رجل واحد .
حدثنا به ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : كان الذي عفي عنه فيما بلغني مخشي بن حمير الأشجعي حليف بني سلمة ، وذلك أنه أنكر منهم بعض ما سمع .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا زيد بن حبان ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب : إنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ قال : طائفة : رجل .
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معناه : إن نَعْفُ عن طائفة منكم بإنكاره ما أنكر عليكم من قبل الكفر ، نعذّب طائفة بكفره واستهزائه بآيات الله ورسوله . ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، قال : قال بعضهم : كان رجل منهم لم يمالئهم في الحديث ، فيسير مجانبا لهم ، فنزلت : إنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذّبْ طائِفَةً فسمي طائفة وهو واحد .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : إن تتب طائفة منكم فيعفو الله عنه ، يعذّب الله طائفة منكم بترك التوبة .
وأما قوله : إنّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ فإن معناه : نعذّب طائفة منهم باكتسابهم الجرم ، وهو الكفر بالله ، وطعنهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقوله تعالى : { لا تعتذروا } الآية ، المعنى قل لهم يا محمد لا تعتذروا على جهة التوبيخ كأنه قال لا تفعلوا ما لا ينفع .
ثم حكم عليهم بالكفر فقال لهم { قد كفرتم بعد إيمانكم } الذي زعمتموه ونطقتم به ، وقوله { عن طائفة منكم } يريد فيما ذكر المفسرون رجلاً واحداً قيل اسمه مخشن بن حفير قاله ابن إسحاق ، وقال ابن هشام : ويقال فيه مخشي ، وقال خليفة بن خياط في تاريخه : مخاشن بن حمير ، وذكر ابن عبد البر مخاشن الحميري وذكر جميعهم أنه استشهد باليمامة وكان قد تاب وتسمى عبد الرحمن ، فدعا الله أن يستشهد ، ويجهل أمره فكان ذلك باليمامة ولم يوجد جسده ، وذكر أيضاً ابن عبد البر محشي بن حمير بضم الحاء وفتح الميم وسكون الياء ولم يتقن القصة ، وكان محشي مع المنافقين الذين قالوا { إنما كنا نخوض ونلعب } فقيل كان منافقاً ثم تاب توبة صحيحة ، وقيل كن مسلماً مخلصاً إلا أنه سمع كلام المنافقين فضحك لهم ولم ينكر عليهم فعفا الله عنه في كلا الوجهين ، ثم أوجب العذاب لباقي المنافقين الذين قالوا ما تقدم ، وقرأ جميع السبعة سوى عاصم «إن يعف عن طائفة » بالياء «تعذب » بالتاء{[5770]} ، وقرأ الجحدري «إن يعف » بالياء على تقديره يعذب الله طائفة «بالنصب ، وقرأ عاصم وزيد بن ثابت وأبو عبد الرحمن » إن نعف «بالنون » نعذب «بنون الجميع أيضا ً ، وقرأ مجاهد » إن تعفُ «بالتاء المضمومة على تقدير إن تعف هذه الذنوب » تعذب «بالتاء أيضاً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.