جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَعَادٗا وَثَمُودَاْ وَأَصۡحَٰبَ ٱلرَّسِّ وَقُرُونَۢا بَيۡنَ ذَٰلِكَ كَثِيرٗا} (38)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ الرّسّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً * وَكُلاّ ضَرَبْنَا لَهُ الأمْثَالَ وَكُلاّ تَبّرْنَا تَتْبِيراً } .

يقول تعالى ذكره : ودمرنا أيضا عادا وثمود وأصحاب الرسّ .

واختلف أهل التأويل في أصحاب الرسّ ، فقال بعضهم : أصحاب الرسّ من ثمود . ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جُرَيج ، قال : قال ابن عباس وأصحَابَ الرّسّ قال : قرية من ثمود .

وقال آخرون : بل هي قرية من اليمامة يقال لها الفلْج ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : حدثنا جرير بن حازم ، قال : قال قتادة : الرسّ : قرية من اليمامة يقال لها الفلْج .

حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ابن جُرَيج ، قال عكرِمة : أصحاب الرسّ بفلج هم أصحاب يس .

وقال آخرون : هم قوم رسّوا نبيهم في بئر . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي بكر ، عن عكرِمة ، قال : كان الرسّ بئرا رسّوا فيها نبيهم .

وقال آخرون : هي بئر كانت تسمى الرسّ . ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، وأصحَابَ الرّسّ قال : هي بئر كانت تسمى الرّسّ .

حدثني محمد بن عمارة ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي يحيى عن مجاهد في قوله : «وأصحَابَ الرّسّ » قال : الرّسّ بئر كان عليها قوم .

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك ، قول من قال : هم قوم كانوا على بئر ، وذلك أن الرّسّ في كلام العرب كلّ محفور مثل البئر والقبر ونحو ذلك ومنه قول الشاعر :

سَبَقْتَ إلى فَرَطٍ باهِلٍ *** تَنابِلَةً يَحْفُرُونَ الرّساسا

يريد أنهم يحفرون المعادن ، ولا أعلم قوما كانت لهم قصة بسبب حفرة ، ذكرهم الله في كتابه إلا أصحاب الأخدود ، فإن يكونوا هم المعنيين بقوله وأصحَابَ الرّسّ فإنا سنذكر خبرهم إن شاء الله إذا انتهينا إلى سورة البروج ، وإن يكونوا غيرهم فلا نعرف لهم خبرا ، إلا ما جاء من جملة الخبر عنهم أنهم قوم رَسّوا نبيهم في حفرة . إلا ما :

حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ أوّلَ النّاسِ يَدخلُ الجَنّةَ يَوْمَ القِيامَةِ العَبْدُ الأَسْوَدُ » . وذلك أن الله تبارك وتعالى بعث نبيا إلى أهل قرية فلم يؤمن مِنْ أهلها أحد إلا ذلك الأسود ، ثم إن أهل القرية عدوا على النبيّ عليه السلام ، فحفورا له بئرا فألقوه فيها ، ثم أطبقوا عليه بحجرٍ ضخم ، قال : وكان ذلك العبد يذهب فيحتطب على ظهره ، ثم يأتي بحطبه فيبيعه ، فيشتري به طعاما وشرابا ، ثم يأتي به إلى ذلك البئر ، فيرفع تلك الصخرة ، فيعينه الله عليها ، فيدلي إليه طعامه وشرابه ، ثم يعيدها كما كانت ، قال : فكان كذلك ما شاء الله أن يكون . ثم إنه ذهب يوما يحتطب ، كما كان يصنع ، فجمع حطبه ، وحزم حزمته وفرغ منها فلما أراد أن يحتملها وجد سِنَة ، فاضطجع فنام ، فضرب الله على أذنه سبع سنين نائما . ثم إنه هبّ فتمطى ، فتحوّل لشقة الاَخر ، فاضطجع ، فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى . ثم إنه هبّ فاحتمل حزمته ، ولا يحسب إلا أنه نام ساعة من نهار ، فجاء إلى القرية فباع حزمته ، ثم اشترى طعاما وشرابا كما كان يصنع ، ثم ذهب إلى الحفرة في موضعها التي كانت فيه فالتمسه فلم يجده ، وقد كان بدا لقومه فيه بداء ، فاستخرجوه وآمنوا به وصدّقوه ، قال : فكان النبيّ عليه السلام يسألهم عن ذلك الأسود : ما فعل0فيقولون : ما ندري ، حتى قبض الله النبيّ ، فأهبّ الله الأسود من نومته بعد ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنّ ذلكَ الأسْوَدَ لأَوّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنّةَ » غير أن هؤلاء في هذا الخبر يذكر محمد بن كعب عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنهم آمنوا بنبيهم واستخرجوه من حفرته ، فلا ينبغي أن يكونوا المعنيين بقوله : وأصحَابَ الرّسّ لأن الله أخبر عن أصحاب الرّسّ أنه دمرهم تدميرا ، إلا أن يكونوا دمروا بأحداث أحدثوها بعد نبيهم الذي استخرجوه من الحفرة وآمنوا به ، فيكون ذلك وجها . وَقُرُونا بينَ ذلكَ كَثِيرا يقول : ودمرنا بين أضعاف هذه الأمم التي سمّيناها لكم أمما كثيرة . كما :

حدثنا الحسن بن شبيب ، قال : حدثنا خلف بن خليفة ، عن جعفر بن عليّ بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : خلفت بالمدينة عمي ممن يفتي على أن القرن سبعون سنة ، وكان عمه عبيد الله بن أبي رافع كاتب عليّ رضي الله عنه .

حدثنا عمرو بن عبد الحميد ، قال : حدثنا حفص بن غياث ، عن الحجاج ، عن الحكم ، عن إبراهيم قال : القرن أربعون سنة .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَعَادٗا وَثَمُودَاْ وَأَصۡحَٰبَ ٱلرَّسِّ وَقُرُونَۢا بَيۡنَ ذَٰلِكَ كَثِيرٗا} (38)

{ وعادا وثمود } عطف على هم في { جعلناهم } أو على " الظالمين " لأن المعنى ووعدنا الظالمين ، وقرأ حمزة وحفص " وثمود " على تأويل القبيلة . { وأصحاب الرس } قوم كان يعبدون الأصنام فبعث الله تعالى إليهم شعيبا فكذبوه ، فبينما هم حول الرس وهي البئر الغير المطوية فانهارت فخسف بهم وبديارهم . وقيل { الرس } قرية بفلج اليمامة كان فيها بقايا ثمود فبعث إليهم نبي فقتلوه فهلكوا . وقيل الأخدود وقيل بئر بانطاكية قتلوا فيها حبيبا النجار وقيل هم أصحاب حنظلة بن صفوان النبي ابتلاهم الله تعالى بطير عظيم كان فيها من كل لون ، وسموها عنقاء لطول عنقها وكانت تسكن جبلهم الذي يقال له فتخ أو دمخ وتنقض على صبيانهم فتخطفهم إذا أعوزها الصيد ، ولذلك سميت مغربا فدعا عليها حنظلة فأصابتها الصاعقة ثم أنهم قتلوه فأهلكوا . وقيل هم قوم كذبوا نبيهم ورسوه أي دسوه في بئر . { وقرونا } وأهل أعصار قيل القرن أربعون سنة وقيل سبعون وقيل مائة وعشرون . { بين ذلك } إشارة إلى ما ذكر . { كثيرا } لا يعلمها إلا الله .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَعَادٗا وَثَمُودَاْ وَأَصۡحَٰبَ ٱلرَّسِّ وَقُرُونَۢا بَيۡنَ ذَٰلِكَ كَثِيرٗا} (38)

انتصبت الأسماء الأربعة بفعل محذوف دل عليه { تبرنا } . وفي تقديمها تشويق إلى معرفة ما سيخبر به عنها . ويجوز أن تكون هذه الأسماء منصوبة بالعطف على ضمير النصب من قوله : { فدمرناهم تدميراً } [ الفرقان : 36 ] .

وتنوين { عاداً وثموداً } مع أن المراد الامتان . فأما تنوين { عاداً } فهو وجه وجيه لأنه اسم عري عن علامة التأنيث وغيرُ زائد على ثلاثة أحرف فحقه الصرف . وأما صَرْف { ثموداً } في قراءة الجمهور فعلى اعتبار اسم الأب ، والأظهر عندي أن تنوينه للمزاوجة مع { عَاداً } كما قال تعالى : { سَلاَسِلاً وأَغْلاَلاً وسعيراً } [ الإنسان : 4 ] .

وقرأه حمزة وحفص ويعقوب بغير تنوين على ما يقتضيه ظاهر اسم الأمة من التأنيث المعنوي . وتقدم ذكر عاد في سورة الأعراف .

وأما { أصحاب الرسّ } فقد اختلف المفسرون في تعيينهم واتفقوا على أن الرسّ بئر عظيمة أو حفير كبير . ولما كان اسماً لنوع من أماكن الأرض أطلقه العرب على أماكن كثيرة في بلاد العرب .

قال زهير :

بكَرْنَ بُكُوراً واستحرْنَ بسَحرة *** فهنّ ووادِي الرسّ كاليد للفم

وسمّوا بالرّسّ ما عرفوه من بلاد فارس ، وإضافة { أصحاب } إلى { الرس } إما لأنهم أصابهم الخسف في رسّ ، وإما لأنهم نازلون على رسّ ، وإما لأنهم احتفروا رسّاً ، كما سمي أصحاب الأخدود الذين خدّوه وأضرموه . والأكثر على أنه من بلاد اليمامة ويسمى « فَلَجا »{[293]} .

واختلف في المعنيّ من { أصحاب الرس } في هذه الآية فقيل هم قوم من بقايا ثمود . وقال السهيلي : هم قوم كانوا في عَدن أُرسل إليهم حنظلة بن صفوان رسولاً . وكانت العنقاء وهي طائر أعظم ما يكون من الطير ( سميت العنقاء لطول عنقها ) وكانت تسكن في جبل يقال له « فتح »{[294]} ، وكانت تنقضّ على صبيانهم فتخطفهم إن أعوزها الصيد فدعا عليها حنظلة فأهلكها الله بالصواعق . وقد عبدوا الأصنام وقتلوا نبيئهم فأهلكهم الله . قال وهب بن منبه : خسف بهم وبديارهم . وقيل : هم قوم شعيب . وقيل : قوم كانوا مع قوم شعيب ، وقال مقاتل والسدّي : الرسّ بئر بأنطاكية ، وأصحاب الرسّ أهل أنطاكية بُعث إليهم حبيب النجّار فقتلوه ورسُّوه في بئر وهو المذكور في سورة يس ( 20 ) { وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين } الآيات . وقيل : الرس وادٍ في أذربيجان في أرَّان يخرج من قاليقَلا ويصب في بحيرة جُرجان ولا أحسب أنه المراد في هذه الآية . ولعله من تشابه الأسماء يقال : كانت عليه ألف مدينة هلكت بالخسف ، وقيل غير ذلك مما هو أبعد .

والقرون : الأمم فإن القرن يطلق على الأمة ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن } في أول الأنعام ( 6 ) . وفي الحديث : خير القرون قرني ثم الذين يلونهم الحديث .

والإشارة في قوله : { بين ذلك } إلى المذكور من الأمم .

ومعنى { بين ذلك } أن أُمَماً تخللت تلك الأقوام ابتداءً من قوم نوح .

وفي هذه الآية إيذان بطولِ مُدَد هذه القرون وكثرتها .


[293]:- فلج بفتحتين. وقال ياقوت: بفتح فسكون اسم بلد، ويقال: بطن فلج من حمى ضرية، هو أول الدهناء.
[294]:- بفاء أخت القاف ومثناة فوقية بعدها خاء معجمة وقيل حاء مهملة: جبل أو قرية لأهل الرس لم يذكره ياقوت وكر فِتاح وقال: جمع فتح وقال: ارض بالدهناء ذات رمال